السبت، 5 أبريل 2025

صاحب اليد الطويلة (فانتازيا)

تأليف : امل شانوحة 

الأمنيّة النادرة


على تلّ الأمنيات ، إجتمع اهالي القرية الريفيّة لرؤية مُذنّبٍ يمرّ مرّة كل مئة عام .. وعند مروره ، طلب كل شخص أمنيّة يُراد حصولها .. ومن بينهم مراهق اختار أمنيّةً غريبة : وهي ان تطول يده اليمنى كيفما يشاء ! فهو يتشارك غرفته مع اخيه الأصغر الذي ينسى إغلاق الباب كلما ذهب لدوّرة المياه ، مما يتسبّب بإيقاظه كل ليلة .. لهذا اراد معجزة تجعله يُغلق الباب وهو مازال مستلقياً على فراشه .. 


وقد تفاجأ اهله بتحقّق أمنيّته ! واتفقوا بعدم إخبار احد ، كيّ لا يصبح حديث القرية .. وفي المقابل بدأوا باستخدام موهبته الجديدة بأمورٍ صعبة داخل المنزل مثل : إحضار حقيبة الملابس من فوق الخزانة (دون وضع سلّم) او تركيب الإضاءة والستائر ، وطلاء السقف .. وعندما طلبت امه تنظيف النافذة من الخارج ، لمحه ابن الجيران الصغير الذي صرخ فزعاً ، ظناً برؤيته لوحشٍ مخيف ! وسرعان ما انتشر الخبر في القرية الصغيرة .. 


في البداية ، عاتبوه على أمنيّته الغريبة التي أخافت اطفالهم .. لكن فيما بعد ، إستفادوا من موهبته النادرة : كمسك جهاز التبريد (المكيّف) من الخارج ، اثناء تثبيته بالشقة العلويّة .. وإنزال قطّة عالقة فوق الشجرة .. ومساعدة شخص بتسليمه ادوات العدّة ، اثناء تصليحه سقف منزله .. وإنقاذ امرأة بسحب حقيبتها من يد السارق قبل ابتعاده بدرّاجته الناريّة .. وإعادة طفلٍ الى داخل منزله قبل سقوطه من الشرفة .. وإدخال يده الطويلة من نافذة الطابق العلويّ المفتوحة ، لمساعدة جاره بفتح باب منزله بعد نسيان مفاتيحه بالداخل .. ومساعدة المزارع بقطف الثمار بأعلى شجرته .. والكثير من المهام الأخرى

^^^


لكن كل هذا تغيّر بعد سرقة الذهب من المنزل المقابل لبيت المراهق .. حيث ادّعى ابن الجيران : برؤيته ليدٍ طويلة تدخل آخر الليل من نافذة الصالة باتجاه غرفة والدته التي اعتادت تخبئة ذهبها في الخزانة ! 

فتجمّعت الشكوك ضدّه ، خاصة ان منزل الجار مازال مقفلاً من الداخل .. ورغم ان الشرطة فتّشت منزل المراهق ، دون عثورهم على الذهب المسروق ! 

إلاّ أن هذا لم يُخففّ من قلق الأهالي الذين اضّطروا لإغلاق نوافذهم مساءً ، رغم الطقس الحار 


ولأن المراهق لا يستطيع إلغاء أمنيّته لحين مرور مذنّبٍ آخر (وهذا لن يحدث قبل مئة عام) لهذا طالب الأهالي برحيله عن قريتهم ! 

فقرّرت عائلته الرحيل معه بعد غضب الوالدان من شكّهم بتربية ابنائهم الخمسة ، رغم سيرتهم الحسنة طوال مكوثهم في القرية .. 

***


وبعد رحيلهم بإسبوع ، إشتعل منزل الجيران .. وبصعوبة تمكّن رجال الأطفاء من إنزال الولد العالق من غرفته بالطابق العلويّ ، والذي اعترف باكياً امام الجميع : انه هو من سرق عقد وخاتم امه ، لرغبته بإهدائهما الى صديقته بعيد ميلادها القادم ..وبأنه اتهم صاحب اليد الطويلة ظلماً ! 

فلامه الأهالي بعد خسارة بطلهم الشهم الذي اهانوه هو وعائلته ، رغم كل مساعداته السابقة لهم !

***


اما في المدينة (التي انتقلت اليها عائلة المراهق الموهوب) فقد اتفقوا على كتمان قدرته الخارقة ، كيّ لا يتعرّض لمؤامراتٍ سيئة من الأشرار المتواجدين في كل مكان بنواياهم الخبيثة ! 


الخميس، 3 أبريل 2025

دولة الغجر

تأليف : امل شانوحة 

الحكم الفاسد


في إحدى الدول الأوروبيّة .. ارسل رئيس بلديّة العاصمة خطاباً لرئيس حكومته يخبره عن زيادة عدد الغجر في مدينته ، مما يضرّ السياحة بسبب امتهانهم الشحاذة والسرقة ! 

فأعطاه الحاكم صلاحيّة القيام بكل ماهو ضروري للحدّ من انتشارهم 

^^^


بعدها بأيام.. واثناء جلوس صبيٌّ غجري مع امه ، للشحّاذة على جانب الطريق .. سألها ابنها بقهر : 

- امي ، لما نحن منبوذين في كل مكانٍ نذهب اليه ؟! لما تكرهنا جميع الدول ، وتمنعنا الحكومات من تملّك المنازل والأراضي ؟ 

- هذا قدرنا .. فنحن من ذريّة كين الذي قتل شقيقه ، فعاقبه الله بالشتات هو وذريّته

الأبن باستغراب : تقصدين قابيل ؟! الم يغرقوا بطوفان النبي نوح ؟

- لا ادري يا بنيّ .. وهناك قولٌ آخر : ان جد الغجر هو من صنع مسامير صلب المسيح ، لهذا يكرهنا الأوربّيون المسيحيون.. 


الأبن : وماذا عن الأسطورة التي تردّدها جدتي ؟ بأن الربّ في بداية الخليقة اثناء توزيعه الشعوب على البلاد ، إلتهينا عنه بالرقص والغناء .. فعاقبنا بالشتات لآخر حياتنا ، هل هي صحيحة ؟

- لا اظن ، فكبار السن يحاولون تبرير بؤسنا بالخرافات .. والحقيقة ان معظمنا أميّون وعدوانيون ، لهذا منبوذون 

الولد : لكن يوجد منا من يتقن الصيد ورعاية الحيوانات والمهن اليدويّة والعاب الخفّة والسيرك والطبّ الشعبي !  

- لا احد يقدّر ذلك ، لهذا تمّ اضطهادنا كثيراً بعصر العبوديّة والحربيّن العالميّن..

- الهذا لا نملك اوراقاً رسميّة وثبوتيّة ، ويعيش معظمنا بمنازل متنقلة وخيام وعربات الأحصنة ؟!

الأم بحزن : للأسف ، هذا قدرنا !


واثناء حديثهما ، تفاجآ بشابٍ يعطيهما شطيرتيّن ساخنتيّن ! فشكراه وهم يدعيان له بطول العمر .. وتناولاها بنهم من شدّة جوعهما ، وبسبب مذاقها اللذيذ شعرا بالنشاط والحيويّة طوال النهار ! 

^^^


لكن لم يعلما بأن العساكر (المتنكّرين بهيئة شبابٍ عادية) هم من وزّعوا الشطائر المجانية على كل الغجر المنتشرين بالعاصمة ، الذين ما أن تجمّعوا مساءً في اكواخهم (المبنيّة بطريقةٍ غير شرعيّة) حتى عانوا من اوجاعٍ مُبرحة ! 


ومع شروق الشمس ، مات العديد من اطفالهم وعجائزهم ! بينما تمكّن طبيبهم الشعبيّ من إنقاذ البقيّة من التسمّم الغذائي ، بعد اكتشافه بأن الشطائر فيها سمّ بطيء المفعول .. 

مما أزعج قائدهم الذي عرف بأن رئيس البلديّة وراء ذلك ، فهو هدّده الشهر الماضي بالقضاء على اتباعه ان لم ينسحبوا من العاصمة بعد اضرارهم بالسياحة العامة !


فانفجر غاضباً : 

- يظن اعدادنا قليلة .. سأريه وأري العالم من نكون !!

*** 


وبدأ بتجميع الغجر من كل المدن المجاورة اولاً ، والذين ساهموا في احتلال العاصمة .. مما أجبر سكّانها على الهرب للقرى الجبليّة .. 

ولم يكتفي قائد الغجر بذلك ، بل اعلن بالإذاعة الوطنيّة (بعد إحتلال مبناها) عن رغبته بجمع الغجر من كل ارجاء العالم ، مُعلناً هذه الدولة الأوروبيّة الزراعيّة بلدتهم رسميّاً ! 


في البداية ، لم يعتقد حاكم الدولة بأن تهديده حقيقياً .. لكن بعد سقوط المدينة تلوّ الأخرى .. خصوصاً بعد انضمام 10 ملايين غجري امثال : (قبيلة الرّوما القادمين من اوروبا الشرقية..والفلاكس من رومانيا .. وغجر البلقان من اوكرانيا وبلغاريا ..وغجر الكالو من اسبانيا .. ورومن الكاربت من تشيك وسلوفاكيا..والدومر من الشرق الاوسط) بالإضافة لقراصنة الغجر الذين احتلّوا شواطئ الدولة ، بعد طردهم الجيش والقوى الأمنية خارج دولتهم .. خسرت اوروبا هذه الدولة نهائياً التي اصبح سكّانها الأصليين لاجئين في الدول المجاورة! 


بينما استغلّ حكّام العالم ما حصل ، بتسهيل سفر الغجر من بلادهم الى دولتهم الجديدة للتخلّص منهم ، فمعظمهم عاطلي عن العمل ولصوص وشحاذين .. وبذلك تحقّق حلم الغجر بأن يكون لهم موطن يجمعهم ضمن حدودٍ دوليّة !

^^^


وفي حفلٍ عام .. اعلن قائد الغجر : وقف العمل في الدوائر الرسميّة .. قائلاً بفخر :

- لطالما استحقرونا واشمئزّوا منا .. لكننا سنريهم حياتنا الجميلة .. لا عمل بعد اليوم .. فقط احتفالاتٍ دائمة !! 

فهللّ شعبه فرحاً ..

***


وبسبب نقل اعلام الغجر لإحتفالاتهم الغنائيّة الراقصة والصاخبة ، حفّزت شباب الدول الأوروبيّة للوصول لدولة السعادة (كما سمّاها قائد الغجر) لكن دولهم منعتهم بالقوة : بعد زرعهم الألغام البرّية والبحريّة ، ووضع الأسلاك الشائكة على الحدود الفاصلة بين الدولتيّن ، مع وقف الطيران والقطارات الوصول اليهم ! 

بينما تابع الشعب الغجري احتفالاته طوال الليل ، والنوم طوال النهار  

***


وبعد عام ، ابلغ مساعد القائد بأن خزينتهم أفلست تماماً .. وأن مخزون الغذاء انتهى من كل ارجاء الدولة ، بعد ان ذبلت المزروعات ونفقت المواشي لعدم الإهتمام بهما 

فحاول إجبار شبابه على الزراعة من جديد ، لكن لا خبرة لهم بهذا المجال 


فطلب قائد الغجر المساعدة من الدول المجاورة ، الذين رفضوا ذلك .. وسرعان ما انتشرت الفوضى في بلاده .. وبدأ اقوياء الغجر بسرقة المواد الغذائيّة من فقرائهم ، وصولاً لقتلهم وحرق اكواخهم .. مما جعل اهالي الغجر ينقلبون على قائدهم غاضبين :

- انت جمعتنا في هذا الفخ المميت ، كنا نعيش بشكلٍ افضل عندما كنّا مُتفرّقين بأنحاء العالم !!


وبسبب انهيار الأمن في البلاد .. إقترح رئيس البلديّة القديم على حاكمه بغزّوهم ، وإعادة البلاد الى حكمه .. 


فاستعان الحاكم القديم بالقوّة العسكريّة للدول الأوروبيّة الذين ساعدوه بحرب ما تبقى من الغجر الذين يعانون من سوء التغذية ، مما أجبر معظمهم على الهرب عبر البحر .. حيث تمكّن القلّة من الوصول سرّاً لشواطئ الدول المجاورة ، بينما البقية غرقوا بين الأمواج العاتية ! 


بينما فضّل الآخرين العودة لقرصنة السفن التجاريّة .. اما من اعتصم في الداخل ، فقد زجّوا في السجون بعد خسارة دولتهم .. بعد اعدام قائدهم امام الشعب الأصليّ الذي عاد الى دولته اخيراً 

^^^


وفي يوم حفل التحرير الوطنيّ .. تابع ابن قائد الغجر كلام رئيس البلديّة (من جواله ، بعد وصوله لاجئاً لدولةٍ مجاورة) وهو يقول امام الشعب :

((لا تقلقوا !! سنعيد بناء مدينتنا من جديد .. فالأغبياء الغجر !! لم يفهموا انه لا يمكن بناء دولة دون عملٍ وجهد .. وأدّى كسلهم وإحتفالاتهم الدائمة الى انهيار دولتهم ، بعد إبادتنا العديد منهم .. وبذلك تخلّصنا من تلك الآفة القذرة للأبد !!))  


فقال ابن القائد الغجر بإصرارٍ وحنق :

- أتعدّنا آفة ، ايها المُتعالي ؟ حسابك سيكون عسيراً .. فقد قرّرت بناء دوّلتي من جديد ، وجمع شتاتنا من انحاء العالم .. وهذه المرّة لن اعيد اخطاء والدي .. وسأريهم قوّة الغجر بعد الإستعانة بساحراتنا وبصّاراتنا اللآتي رفض والدي الأخذ بمشورتهن .. كما مهاراتنا بالسرقة والإغتيالات ونشر الإشاعات المسيئة .. حينها لن يهزمنا احد !!

وابتسم بخبث !


الثلاثاء، 1 أبريل 2025

مسابقة الجن

تأليف : امل شانوحة 

العالم السفليّ


تمكّن شاب من معرفة معلومة خطيرة عن العالم السفليّ اثناء لعبة بلوحة ويجا السحريّة : حيث اكتشف ان لديهم احتفالٌ سنويّ ، يخرجون فيه من مخابئهم للإجتماع في الأرض .. وهذا الإحتفال يُقام مرّة بالسنة منذ قرون! 


فقام بنشرها على الإنترنت ، ليقوم مشعوذٌ مبتدئ بتأكيد المعلومة .. مما جعلها تنتشر بسرعة بين الناس ، الى ان وصلت لإدارة المختبرات الدوليّة الذين عرضوا جائزةً ماليّة لمن يتمكّن القبض على بعض الجن ، ودراستهم في مختبراتٍ تحليليّة لاكتشاف اسرارهم وغموضهم ! 


فسارع المغامرون (باليوم المحدّد لإحتفال الجن الذين لا يعلمون باكتشاف البشر لحفلهم السرّي) الى الأماكن المهجورة والمقابر والكهوف والغابات المُهملة ، وصولاً لأعماق البحار وهم يحملون كاميراتهم الحراريّة وأجهزة رصد الأصوات الغير بشريّة ، مع استخدام طائرات درون وادوات الغطس مميزة .. 


وبالفعل تمكّنوا من القبض على بعض الجن على هيئة بشر (خصوصاً على شكل عجائز من الجنسيّن الذين لا ظلال لهم) او تجسّدهم لحيوانات (كالقطط والكلاب السوداء)

^^^


وفي المختبرات .. قام العلماء برشّ محلولٍ عليهم يمنع تخفّيهم اكثر من بضعة دقائق ، بعد حبسهم داخل أقفاصٍ من الرصاص لمنع هروبهم .. 


وقد أثار فيديو مساجين العالم الآخر ضجّةً اعلاميّة كبيرة ، وصل صداه للمشعوذين البشريين والرقاة الذين تجمّعوا خارج المختبر وهم يصرّون على محادثة السجناء المهمّين بالنسبة لهم .. حيث تمنّى الرقاة التوصّل لإتفاقٍ معهم ، لمنعهم من أذيّة البشر .. بينما اراد المشعوذون التعاقد معهم ، لمصلحة اسحارهم ! 

^^^


ولم يستطع الهرب من السجناء (الجن العشرة) سوى جني يافع ، إستغلّ وجود إبن أحد علماء المختبر الذي وافق على إخفائه بحقيبة ظهره الصغيرة ..


بعدها اخذه الولد الى منزله .. وهناك بدأ التعرّف على عالم الجن من خلال حديثه مع الجني الذي كان يُخبّئه كلما دخل والداه الغرفة (بعد ان عطّل المختبر قدرته على الإختفاء الدائم)

وكلما سمعه ابوه (عالم المختبر) يتحدّث وحده ، يخبره ابنه ان لديه صديقٌ خياليّ ! 

***


ومرّت الشهور .. ازداد فيها تعلّق الولد بصديقه الجني الذي طلب منه اخذه الى منزلٍ مهجور قريب من مدرسته .. وهناك ودّعه قائلاً :

- لا تقلق ، سأراك من وقتٍ لآخر .. لكن عليّ العودة الى العالم السفليّ ، لتحذير قبيلتي من اكتشافكم لحفلنا السنويّ السرّي .. كما عليّ إخبار عائلات المعتقلين عن ازواجهم الذين مازالوا مسجّونين في مختبر والدك

الولد بحزن : لكنك وعدّتني بأن تريني عالمك

- سأفعل ذلك قريباً


ثم اختفى الجني الصغير في قبوّ المنزل المهجور !

***


وبسبب ما حصل .. ألغى رئيس الجن إحتفالهم السنويّ ، جابراً قومه على الإحتفال به في عالمهم السفليّ الذي لم يحضره احد من الإنس سوى ابن العالم الذي كرّموه على إنقاذه صغيرهم .. 


وبسبب سرّيته بالتعامل مع المشكلة ، عيّنوه جاسوساً فور بلوغه سن الشباب .. حيث عليه نقل اخبار عالمه البشريّ الى ملك الجن الذي كافأه بالعملات الذهبيّة جعلته من الأثرياء ، دون ان يكتشف احد سبب ثرائه المفاجئ !


الثلاثاء، 25 فبراير 2025

بعد طول انتظار

تأليف : امل شانوحة 

 

الصُدفة الغريبة !


اثناء تسوّقها ، تفاجأت بفتاةٍ صغيرة (10 سنوات) تركض نحوها وهي تبكي :

- امي !! امي !! لما تركتنا ورحلتي ؟!

وحضنتها بقوّة وهي منهارة بالبكاء ! قبل ظهور والد الطفلة ، وهو يعتذر منها .. وآثار الصدمة والتعجّب ظاهرة في عينيّه :  

- آسف لما فعلته ابنتي .. لكنك حقاً ، تُشبهين زوجتي كثيراً !

السيدة : واين هي الآن ؟

فأجاب بحزن : توفيّت قبل شهريّن

فصرخت ابنته ، وهي مازالت تحتضن السيدة :

- ابي ، لا تقلّ هذا !! امي بخير ، الا تراني أحتضنها ؟!

فربتتّ السيدة على ظهرها بحنان ، وهي تقول للأب بشفقة :

- يبدو انها تفتقد امها كثيراً ! 

الأب بقهر : وانا ايضاً اشتقت لزوجتي


السيدة : هل حقاً أشبهها لهذه الدرجة ؟!

الأب : كأنك هي ! وخاصة لمعة عينيّك .. ليتني لم أحذف صوّرها قبل ايام ، لأريتك إحداها .. لكني فعلت في محاولة لنسيانها ومتابعة حياتي .. وهاهو القدر يجمعني بتوأمتها ! .. (ثم تلفّت حوله) .. أعتذر منك ! لا اريد التسبّب لكِ بمشاكل مع زوجك 

السيدة بخجل : لست متزوّجة

فلم يستطع إخفاء ابتسامته : 

- أحقاً ! أقصد..

فقاطعته : لا تسرح بخيالك ، أنا اكبر منك

- وكم عمرك ؟

- ٤٦

- وانا قاربت الخمسين

السيدة باستغراب : مستحيل ! تبدو بالثلاثينات 


الرجل بارتباك : وكذلك انتِ ! بصراحة لا ادري كيف أفاتحك بالموضوع.. لكني مهندسٌ مدنيّ ، وشقتي مُجهّزة بكل شيء .. فهل يمكننا.. أقصد لأجلها

وأشار لإبنته التي ترفض الإبتعاد عنها !

السيدة بابتسامة : حسناً فهمت

وأعطته رقم أخيها ، وهي تقول بخجل :

- يمكنك الإتصال به ، ومفاتحته بالموضوع.. لربما هناك نصيبٌ بيننا!

الرجل بسعادة : ان شاء الله ، يحصل قريباً .. أشعر بذلك من كل قلبي

وشدّ ذراع ابنته ، للإبتعاد عنها :

- هيا أتركيها تُكمل تسوّقها ..ودعينا نُحاسب عن أغراضنا 

الفتاة وهي تمسح دموعها : لا !! لن أترك امي.. دعها تذهب معنا

فانحنى نحو ابنته ، وهو ينظر للسيدة :

- من يدري .. ربما في المرة القادمة ، تأتي معنا للتسوّق لمنزلنا 


وغمز السيدة بغزل .. فمسحت السيدة رأس ابنته بابتسامةٍ خجولة .. ثم جرّت عربتها مُبتعدة ، وهي تشكر الله بإعطائها املٍ للزواج بسنّ العنوسة! 

قائلةً في نفسها ، بارتياح :

((اخيراً فُرجت ، بعد طول انتظار !)) 

***


خارح السوبرماركت .. وقفت بانتظار سيارة اجرة ، لتُفأجأ بسيارة الرجل تقف امامها :

- يمكنني إيصالك الى منزلك

فردّت بحياء : صعبٌ جداً .. لا اريد للجيران ان يرونني برفقة رجلٍ غريب

ففتحت ابنته الباب ، وهو تقول بحماس :

- رجاءً امي ، إركبي معنا !!

الأب : لا تقلقي ، سأتوقف بعيداً عن عمارتك .. فأنا بحاجة لمعرفة عنوانك ليوم خطوبتنا

 

ورغم شعورها بأنه تصرّفٌ غير لائق ، لكنها وافقت بعد إلحاحّ الصغيرة على الركوب بجانبها (بالمقاعد الخلفيّة)

^^^


وفي الطريق .. أعطتها شوكولا 

السيدة : لا اريد ، شكراً لك

فردّت الفتاة بضيق : لكنها المُفضلّة لديكِ ! 

فنظر والدها من مرآته الأماميّة ، وهو يقول :

- هذا صحيح ، فأمها تعشق هذا النوع من الشوكولا 

فقالت السيدة في نفسها : ((الصغيرة ترغب بشدّة ان أُشابه امها بكل شيء!))

الأب : رجاءً ، تناولي ولوّ لقمةً واحدة .. فأنا اعرف ابنتي جيداً ، عنيدةٌ للغاية 

الفتاة بإصرار : إنظري امي ، إشتريت واحدة لي ايضاً .. دعينا نأكلها معاً ، كما نفعل دائماً !!

وتناولت الفتاة شوكولاتتها بسعادة .. فلم تجد السيدة مانعاً من تذوّق بعضها

***


في المساء .. فتحت السيدة عينيّها بصعوبة ، وهي تشعر بدوّارٍ وألمٍ فظيعيّن ! 

ثم نظرت حولها بعيونٍ زائغة ، لتجد نفسها بغرفة عمليّات .. وهي مستلقيّة على بطنها فوق سريرٍ طبّي !

وحين لمست مصدر الألم ، وجدت لصقةً طبيّة كبيرة على الجزء السفليّ من ظهرها! 


ولم تفهم ما جرى ! قبل دخول الأب الى غرفتها الشبه مُعتمة ، وهو يقول بضيق :

- هآ انتِ إستيقظتي اخيراً .. بعد طووووول انتظار

فتذكّرت قولها الجملة نفسها ، بمعنى مختلف ! 

وسألته بقلقٍ وتعب :

- ماذا حصل ؟! .. كنت توصلني الى منزلي ، فأين انا الآن ؟! 

فردّ الأب : خطفتكِ بعد تذوّقكِ الشوكولا المُخدّرة 

- ماذا ! ولماذا خطفتني ؟!

- الا تعرفين ثمن الكليّة بالسوق السوداء ؟

السيدة بصدمة : يا لعين !! هل انت من تجّار الأعضاء البشريّة ؟! 

- لا تقلقي ، لستِ الضحيّة الوحيدة .. فقبلك 27 سيدة لقينّ المصير ذاته ..فأنا استخدم وسامتي للإيقاع بالعانسات البائسات امثالك.. وعلى فكرة ، عمري 35 سنة فقط ..  

- وكيف تورّط ابنتك بتجارتك القذرة ؟!

- ومن قال انها ابنتي ؟


ثم نادها.. فدخلت الصغيرة وهي تُدخّن السيجار..

السيدة بدهشة : كيف تسمح بتدخينها بهذا العمر ؟!

فردّت الفتاة بلؤم : لا تحدّثيني كأني طفلة ، أنا اكبر منك سنّاً 

- ماذا !

فردّ الرجل : صحيح ، هي قاربت الستين من عمرها.. وتُعدّ اهم زعماء تجّار الأعضاء في البلد .. وانا احد رجالها المُخلصين

السيدة : أتقصد انها تعاني من ذلك المرض ؟!

الفتاة بضيق : هو مرض يشبه التقزُّم ، دون تشوهات جسديّة .. فقد وقف نموي بعمر العاشرة .. ففكّرت باستغلال إعاقتي للكسب الماليّ.. واخترت أوسم رجال عصابتي ، للإيقاع بالسيدات اليائسات امثالك 


السيدة : وكيف عرفتما انني عزباء ؟!

الرجل : مئة دولار لحارس مبنى ، او لخادمة منزل كفيلة بمعرفة اسرار المنطقة بأكملها ! لهذا نختار السيدات اللآتي تجاوزنّ سن الزواج ، للإيقاع بهن .. بشرط ان يكنّ فقراء او من الطبقة المتوسطة .. فهذه الحيلة لا تنتطلي على السيدات الثريّات 

السيدة بعصبية : ستنالا جزائكما ، اعدكما بذلك !! 


وحاولت النزول من السرير ، وهي تشعر بألمٍ شديد ..

الشاب : ماذا تظني نفسك فاعلة ؟!

ثم نظر لزعيمته ساخراً :

- تعتقد اننا سندعها تذهب بعد معرفتها بوكّرنا ، الموجود بأحد الأنفاق الارضيّة المهجورة 

السيدة بعصبية : أخذتما كليّتي ! ماذا تريدان بعد ؟!!

الشاب بلؤم : قرنيّة عينيك الزرقاوتيّن ، ورئتك ، وكبدك..

وأكملت الفتاة بخبث : والأهم من ذلك !! قلبك البريء الطيّب ..لكننا بدأنا بأسهل الأعضاء .. وتركناك تستيقظين من المخدّر ، لتفضيلي شرح ما حصل للضحايا قبل إنتقالهنّ للعالم الآخر .. يعني يمكنكِ القول : لإراحة ضميري 


ثم نادت الجرّاح ، الذي دخل الغرفة ومعه ابرة المخدّر ..

الفتاة : هيا قمّ بواجبك !!

فتوجّه نحو السيدة التي حاولت الهرب منه ، لكنه تمكّن من غرز الإبرة في ذراعها


وقبل استسلامها لمصيرها المشؤوم .. إقتربت الفتاة منها ، وقبّلت رأسها :

- سأشتاق اليك ، يا ماما الحبيبة

وكان هذا آخر ما سمعته ، مُتزامناً مع ضحكاتهم الساخرة .. قبل ان تنام نومتها الأبديّة !


السبت، 22 فبراير 2025

الجريء والخجولة

تأليف : امل شانوحة 

المصعد المُعطّل


في حفلة رأس السنة ، المُقامة على سطح شركةٍ تجاريّة .. تعطّل المصعد اثناء نزوله للطابق الأرضيّ .. لتعلق الموظفة الجديدة الخجولة مع الشاب الّلعوب (ابن المدير ونائبه) 


وبعد طرقهما على باب المصعد وصراخهما بعلوّ صوتهما ، رضخا للأمر الواقع بالبقاء في المصعد لحين انتباه احد العاملين بالشركة على تعطّله ، على امل إنقاذهما قبل الإحتفالات الصاخبة !


وتكوّرت الصبيّة في زاوية المصعد .. بينما تعمّد الشاب الوسيم على الجلوس قربها ، مُتجاهلاً إرتباكها وعدم نظرها اليه !

ليسألها بصوته الرخيم : 

- لم أركِ من قبل ! هل توظّفت حديثاً في شركة ابي ؟ 

فأومأت برأسها إيجاباً.. 

الشاب : غريب ! يبدو شكلك مألوفاً

وحاول رفع رأسها ، لرؤيتها جيداً .. لتُفاجئه بردّة فعلها : بإبعاد يده بعنف !


فقال مبتسماً : أُحب الشرسات اللآتي يدّعين العفّة

الموظفة بحزم : رجاءً إبتعد عني !! 

- لا تقلقي عزيزتي .. لست غبيّاً للتحرّش بك ، بوجود كاميرا المصعد ..فهذا سيوقعني في مشاكل قانونيّة ، خاصة انك تبدين أصغر من 18 ! ام انك اكبر؟

فلم تجبه ، وحاولت الإنشغال بجوّالها..


الشاب : لا تتعبي نفسك ، فالأجهزة لا تعمل هنا 

فأعادت جوّالها بضيق الى حقيبتها اليدويّة ..

الشاب : طالما انت خجولة ، فلما اشتركتِ بحفلة رأس السنة ؟!

- زملائي أُرغموني على ذلك 

- آه فهمت .. وعندما ضايقتكِ زحمة السطح ، قرّرتِ العودة لمنزلك قبل حلول منتصف الليل .. تماماً كسندريلا

وأمسك حذائها..

الشاب : اساساً تشبهينها بمقاس قدمك الصغيرة !

فأبعدت يده بعنف للمرّة الثانية ، قائلةً بعصبيّة :

- رجاءً إتركني وشأني ، وإلاّ سأصرخ بعلوّ صوتي !!

الشاب ساخراً : صرخنا قبل قليل ، ولم يسمعنا احد 


فعادت لتكوّر على نفسها من جديد ، وهي تُبعد نظرها عنه ..

الشاب : يبدو انك لا تثقين بنفسك ، مع ان شكلك لا بأس به !

فنظرت اليه ، كأنها غير مُصدّقة ما قاله !

الشاب بابتسامةٍ خبيثة : آه ! أعرف هذه النظرة جيداً.. يبدو ان والديّك لم يمدحانك طوال حياتك ، وربما عانيّتي من التنمّر في دراستك .. وأظنك تملكين موهبةً ما ، تُخفينها عن الجميع .. وبواسطتها تُخرجين غضبك المكبوت ، اليس كذلك ؟

فأجابته بصدمة : كيف عرفت ؟!

فقال بغرور : عزيزتي ، الفتيات بالنسبة لي كتابٌ مفتوح ..فهنّ يُلاحقنني كالذباب منذ صغري .. هيا إخبريني ، ماهي موهبتك ؟

فلم تجبه..


الشاب بنبرةٍ جادّة : إسمعيني جيداً !! لديّ الكثير من العشيقات ، ولا أنوي إضافة أخرى على قائمتي .. لكننا عالقان هنا ، وأحاول تضيّع الوقت .. فمازالت هناك ساعة على منتصف الليل ، وساعة اخرى على انتهاء الحفل .. فهل سنمضي كل هذا الوقت صامتيّن ؟

- ولما لا ؟

الشاب : سيكون مللّاً لا يُطاق ، ولن تكون بداية جيدة للسنة الجديدة

- طالما لديك الكثير من المُعجبات ، فلما تركت الحفل ؟! 

- لم أترك ضيوفي ، بل كنت مُستمّتعاً للغاية .. لكني اردّت النزول للموقف ، لإحضار شيءٍ من سيارتي .. ولسوء حظي علقت معكِ 

الفتاة بعصبية : بل لسوء حظّي انا !!

- هيا لا تكوني مُتزمّتة هكذا ، إخبريني بهوايتك ؟


فسكتتّ قليلاً ، قبل ان تقول : لديّ موهبة التخطيط الدقيق 

الشاب باستغراب : ماهذه الهواية الغريبة ؟!

- أقصد إيجادي الحلول المناسبة للمشاكل العالقة

- مثل ماذا ؟

الفتاة : الأمر يفوق تفكيرك

فردّ بسخرية : يالا تواضعك ! اراهن انك كنتِ مُتفوّقة في الدراسة ؟

- نعم !! بعكسك

الشاب : بهذه معك حقّ .. ومع ذلك تخرّجت بسهولة من الجامعة ، بسبب واسطة ابي .. فأنا من عائلةٍ ثريّة 

- واضحٌ جداً

- اكيد واضح .. فملابسي من أفخم الماركات ، بينما انت..

الفتاة مقاطعة : لم أتوظّف لكيّ أتفاخر بهذه السخافات !! 


الشاب : حسناً لنغيّر الموضوع ..هل لديك إخوة ؟

فتنهّدت الفتاة بحزن : اختٌ واحدة

- تكبرك ام تصغرك ؟

- تصغرني

الشاب : ولما لم تأتي للحفلة ؟ فقد سمحنا للموظفين بإحضار شخصيّن من عائلاتهم 

- هي تقضي وقتها في مكانٍ افضل

الشاب : يبدو بينكما غيرة وتنافس ! حسناً دعيني أتحدّث عن نفسي .. انا الوريث الوحيد لأملاك والدايّ الضخمة .. وكما تلاحظين .. فأنا شابٌ وسيم للغاية ، يعني حلم كل فتاة

- ليست كل الفتيات !!

الشاب بدهشة : غريبٌ امرك ! يعني تعرفين انه بإمكاني طردك بسهولة ، مع هذا تجادلينني بكل أريحيّة .. باعتقادي تشبّثك برأيك هو سبب حياتك البائسة 

- بل كانت حياتي مثاليّة

الشاب : كانت ؟!

الفتاة بحزن : قبل قيام احدهم بتدمير عائلتي

الشاب باهتمام : ماذا حصل ؟!


وهنا سمعا شخصاً ينادي من خارج المصعد :

- هل يوجد احدٌ بالداخل ؟!!

فسارعت الفتاة بالنهوض ، والطرق على الباب بقوّة :

- نحن عالقيّن منذ نصف ساعة

العامل : حسناً ، سأصلح العطل بالحال !!


فنهض الشاب ، ووقف قريباً منها : 

- لم تكملي قصة عائلتك ؟

فقالت بلؤم : المصعد سيتحرّك بعد قليل ، لا داعي لمشاركتك همومي  

^^^


وبعد دقائق ، تابع المصعد نزوله للأسفل.. ثم راقبها الشاب وهي تخرج من موقف الشركة .. فلحقها بسيارته ، وهو يناديها :

- توقفي !! هل تظني من السهل إيجاد سيارة اجرة بآخر ساعة من ليلة رأس السنة ؟!

الفتاة والجوال بيدها : احاول الإتصال بأوبر ، لا تقلق بشأني

- مستحيل !! لن تجدي سيارة إجرة مُتفرّغة مع إقتراب موعد الإحتفالات.. تعالي أُوصلك منزلك ، وفي الطريق تُكملين قصتك

- الم تكن تريد اخذ شيءٍ من سيارتك ، والعودة للحفل ؟!

الشاب : ستكون هناك سهرات اخرى .. فمن الصعب عليّ ترككِ ، بعد أن أثرتِ اهتمامي .. يعني نوعك المُتزّمت ، لم يمرّ عليّ من قبل! 

- هل ملّلت النساء اللآتي تلاحقنك باستمرار ؟

- تقصدين الرخيصات و..

فقاطعته غاضبة : لم يكنّ جميعاً رخيصات !!

باستغراب : ولما غضبتِ هكذا ؟! 


فصمتتّ وهي تراقب الشارع ، بانتظار مرور سيارة اجرة .. بعد إعادة جوالها بتأفّف لحقيبتها ..

الشاب : هل فرغ شحنك ؟

- نعم للأسف !

- اذاً لا تعانديني ، دعيني اوصلك الى منزلك 


فدخلت بضيق الى سيارته ، وهي تقول :

- لوّلا تأخر الوقت ، لما وافقت على الركوب معك 

الشاب : تصبحين اجمل عندما تكونين مُطيعة

^^^


وفي الطريق..

- الن تكملي قصتك ؟

الفتاة باستغراب : ايّة قصة ؟!

- قصة خراب عائلتك .. هل والداك مُطلّقان ؟

فردّت بحزن : للأسف !

- هل حصل ذلك حديثاً ؟

الفتاة : قبل عام وبضعة اشهر

- هل بسبب الخيانة ؟ 

الفتاة بغضب : لا تدعني أصفعك الآن !!

- يا فتاة ! لما تنتابك نوبات غضبٍ مفاجئة ؟! هل انت ممسوسة بالجن والعفاريت ؟!

- ابي وامي مُخلصيّن لبعضهما ، لكنهما لم يتحمّلا مصابهما الكبير.. ولا تسألني ماهو ، لأن جرحه مازال يؤلم قلبي حتى اليوم 

الشاب : يبدو غير مستعدّة للفضّفضة بعد ! 

فأومات برأسها إيجاباً..

الشاب : الهذا أجبرك زملائك على حضور الحفلة ؟

- وهربت قبل ملاحظتهم إختفائي

- اذاً صار من واجبي تحسين نفسيّتك

الفتاة بقلق : ماذا تقصد ؟!

وقاد سيارته بطريقٍ فرعيّ .. 


الفتاة بخوف : الى اين تذهب ؟! هذا الطريق لن يوصلني للعنوان الذي أعطيتك اياه!

- أريد ان أريك فلّتي الفخمة

- ومن قال انني اريد رؤيتها ! 

الشاب : لا تقلقي ، سنتحدّث فقط 

- انا لا اثق بك

- يبدو وصلتك الإشاعات القذرة ! لكني لست من النوع الذي يُجبر احد على مصاحبتي .. فلديّ عشرات الإختيارات : معظمهنّ ممثلات مشهورات وعارضات ازياء ، وفاتنات من دولٍ اجنبيّة .. هل تظني سأختار فتاةً مُعقّدة لإمضاء سهرة رأس السنة معها ؟ كل ما اريده هو فهم مشكلتك 

الفتاة بتهكّم : وهل انت طبيبٌ نفسيّ ؟

- امي من اهم الأطباء بالبلد .. وعلّمتني العديد من العلاجات والأساليب النفسيّة ، خصوصاً فهم لغة الجسد .. وحسب تصرّفاتك ، تبدين كالبركان على وشك الإنفجار ! لهذا أجدك مثيرة للإهتمام .. فأنا اريد معرفة الموضوع الذي يُضايقك لهذه الدرجة ؟ وهل له علاقة بطلاق والديّك ؟ 

فالتزمت الصمت..

الشاب : جيد !! طالما لا تقاومين ، فأنت على طريق العلاج

^^^


ثم توقف امام فيلا فخمة صغيرة ..

الشاب : هذه الفيلا أستخدمها للعطل الإسبوعيّة ، لأني اعيش بقصر والدايّ.. لهذا اخترتها صغيرة ، لحبي للخصوصيّة دون وجود خدمٍ حولي .. هيا دعيني اريك اياها من الداخل

^^^


وفي الصالة ، اراد أن يُريها الطابق العلويّ .. لكنها أصرّت على الجلوس بجانب المسبح ، الموجود في حديقته بأسوارها العالية  

الشاب : لكنه يوجد غرفٌ رائعة بالأعلى

- الضيوف لا يصعدون لغرف النوم

- وماذا لوّ اعتبرك اكثر من ضيّفة ؟ 

الفتاة بحزم : إسمعني جيداً !! سأخرج من منزلك فور شحن هاتفي ، للإتصال بأوبر الذي سيعيدني الى منزلي

- إذاً سأحضر الشاحن .. يمكنك اختيار العصير الذي سنشربه معاً


وصعد للطابق العلويّ .. وكان المطبخ مُتصلا بالصالة المُطلّة على الحديقة .. ففتحت الثلاجة ، لتجد كافة المشروبات الكحوليّة .. فاختارت عصيراً غازيّاً 

^^^


وعندما نزل للحديقة ، وجدها تضع كأسيّن على الطاولة وهي شاردة الذهن ! فجلس على الكرسي المجاور لها ، وهو يقول : 

- الم تختاري سوى البيبسي ؟! 

الفتاة : لا أحب الخمور والدخّان 

- لست متفاجئاً ، فأنت تبدين مثاليّة بالنسبة لي : كالقطة الصغيرة او الصوص الذي مازال في البيضة !.. تذكّريني بموظفة قديمة ، كانت ساذجة مثلك 

- وماذا حصل لها ؟

الشاب : فجأة لم تعد تداوم ! فوظّفنا غيرها

- الم تسأل عنها ؟

- ولما افعل ؟ شركتنا من اهم شركات البلد ، والكثير يتمنّون التوظّف فيها .. آه صحيح ! لم اسألك بعد .. بأيّ قسم تعملين ؟

الفتاة : الأرشيف في قبوّ الشركة 

- ولما وافقتي العمل هناك ؟!

- تعلّمت الإدارة والحاسوب واللغة الإنجليزيّة في معهدٍ بقريّتي .. لهذا وظّفوني هناك ، لعدم امتلاكي شهادةً جامعيّة 

الشاب : لهذا لم اركِ من قبل ! جيد ان المصعد علق فينا .. هيا إشربي عصيرك ، وحاولي الإسترخاء قليلاً .. فأنت لم تخبريني بسبب طلاق والديّك و..

 

وبدأ يتثاءب..

الشاب باستغراب : غريب ! بالعادة لا أنعس بهذا الوقت المُبكّر 

ثم نظر الى ساعته..

- عشر دقائق ، ويبدأ العدّ التنازلي لسنة الجديدة .. وطالما فلّتي على هضبةٍ مرتفعة ، سنشاهد معاً المُفرقعات بالسماء

وهنا سقط العصير من يده ..

الشاب بقلق : يا الهي ! لما يدي اصبحت ثقيلةً هكذا ؟!

الفتاة : ماذا بشأن قدميّك ؟

الشاب برعب : لا استطيع تحريكهما ! مالذي يحصل لي ؟!!


وهنا اضاءت الفتاة جوالها على صورة صبيّة اخرى ..

- هل تتذكّرها ؟

الشاب بدهشة : هذه الموظفة التي شبّهتك فيها ! 

- والتي اختفت فجأة ، اليس كذلك ؟

الشاب بقلق : من انت ؟

- انا اختها الكبرى .. أتدري مالذي حصل لها ؟ إنتحرت بعد رفضك الزواج بها ، حزناً من الفضيحة التي انتشرت بقريتنا المُتحفّظة ، بعد خبر حملها الغير شرعي منك.. وبعد موتها ، تفرّق والدايّ .. وعشت مع جدتي .. (ثم مسحت دمعتها) .. كانت اختي طموحة للغاية .. وتفوّقت بدارستها الجامعيّة لأنها تحلم بالثراء والشهرة ، فهي تكره حياة الريف .. لهذا كانت ضحيّةً سهلة لك .. وبعد موتها ، قرّرت دراسة الإدارة بالمعهد .. لكن للأسف وظيفتي بإرشيف شركتك ، منعني مقابلتك .. حتى بالحفل لم تنتبه عليّ ! الى ان سمعتك بالصدفة تُحدّث صديقك بأنك نسيت المخدّر بسيارتك ، والذي تنوي وضعه خفيةً في كوب ضحيّتك القادمة .. وانك ستنزل للموقف بعد انهاء رقصتك معها .. فأسرعت لعامل المصعد ، ورشوّته بالمال ، لكيّ يوقف المصعد بنا لنصف ساعة على الأقل .. وعندما أتينا الى هنا وصعدت لغرفة نومك ، وضعت دواءً في مشروبك .. 


الشاب بألم ، وهو يحاول تحريك اطرافه المُتصلّبة : 

- مالدواء الذي وضعته ؟!

- انا طبيبةٌ بيطريّة .. وهذا دواء نضعه للأحصنة ، لشلّ حركتها اثناء ولادتها المُتعسّرة .. هو دواء غير مميت ، ويدوم ساعة على ابعد تقدير .. لكن معك سيدوم العمر كلّه

بخوف : ماذا تقصدين ؟!

فنظرت الى ساعتها :

- بعد قليل ستنطلق المُفرقعات المدويّة ، حينها لن يسمع احد صراخك

فانهار باكياً :

- لم اقصد التلاعب بأختك ، بل هي لاحقتني بكل مكان !!

الفتاة بلؤم : لا تهمّني تبريراتك.. الم أخبرك إن هوايتي ، هي التخطيط الدقيق ؟ ولي اكثر من عام انتظر هذه اللحظة ، للإنتقام لأختي الوحيدة 


ثم نظرت لساعتها وهي تعدّ :

- 3 – 2 – 1 .. (ثم بصوتٍ عالي) .. سنةٌ سعيدة !!


وما ان انطلقت المُفرقعات الصاخبة .. حتى رمته من الكرسي ، ليسقط دون حراك على الأرض ! ثم دفعته بكل قوّتها باتجاه المسبح  


واثناء محاولته الطفوّ بأطرافه المشلولة ، تلاشت صرخاته اليائسة مع ارتفاع موسيقى الإحتفالات بالفلّل المحيطة في مجمّع الأثرياء .. بينما تستمّر بالضغط فوق رأسه ، لبقائه اسفل الماء .. الى ان غرقت جثته لعمق المسبح !

^^^


وفي الوقت الذي امتلاءت السماء بالمفرقعات الناريّة ، كانت تجلس في سيارة اوبر في طريقها الى منزل جدتها بالقرية .. بعد انتقامها من قاتل اختها ومُدمّر عائلتها ، عقب إحقاقها العدالة لجميع الفتيات اللآتي تلاعب بمشاعرهنّ على مدى سنواتٍ طويلة !


الأربعاء، 19 فبراير 2025

سفر البر

تأليف : امل شانوحة 

 

عابر سبيل


اضّطر رجل لأخذ زوجته وابنه الصغير مساءً الى المدينة المجاورة ، بعد سماعه خبر احتراق مصنع العائلة (الخاصّ بالأقمشة المستوّردة) التي يعتاش عليها هو وبقيّة إخوته !


وكان شارداً طوال الطريق وهو يفكّر باحتماليّة فشل رجال الإطفاء بإنقاذ المصنع الضخم ، مما سيؤدي لإفلاس كل افراد عائلته !


وفي طريق السفرّ البرّي الطويل ، في تلك الليلة باردة .. لم يتواجد في الشارع سوى سيارة قديمة امامهم ! وقد لاحظ الأب تسرّب البنزين من اسفلها.. فأطلق بوق سيارته ، لتنبيه السائق العجوز بإطفاء سيجارته بالحال

لكن العجوز أشار بيده لتجاوز سيارته ، وإكمال طريقه دون إزعاجه!

فتمّتم الأب بامتعاض :

- كما تشاء ايها الخرِف


ليلاحظ بمرآته الجانبيّة : ان العجوز توقف جانباً ، بعد خروج دخان من مقدّمة سيارته !

فقالت زوجته :

- المسكين تعطّلت سيارته بهذا البرد القارص ، والطريق خالي من السيارات !

فردّ زوجها : لم يعجبني تصرّفه الغير لبق معي ، دعيه يتدبّر اموره


ولم يمضي ثواني ، حتى سمعوا إنفجاراً خلفهم !

الزوجة بصدمة : يبدو ان سيارته احترقت ! 

زوجها بعصبية : الغبي !! نصحته بإطفاء سيجارته مع وجود تسرّب البنزين 

الإبن بفزع : ابي ! دعنا نعود اليه ، ربما يكون عالقاً بسيارته المُحترقة 


فعاد الأب للخلف ، ليجد العجوز يقف بعيداً عن سيارته التي مازالت تشتعل!

فأطلّت الأم من النافذة ، وهي تقول للعجوز : 

- الحمد الله على سلامتك ، يا عم !!

وضغطت على يد زوجها ، للتحدّث معه .. رغم شعوره بعد الإرتياح لملامح العجوز الصارمة ! لكنه رضخ لطلبها ، قائلاً له :

- يمكننا إيصالك للمحطّة القادمة !!


في البداية ، لم يهتم العجوز بمبادرة الرجل ! لكن بعد لمحه الولد ، تنهّد قائلاً : 

- يبدو لا حلّ آخر امامي 


وأوشكت الأم على ترك مقعدها الأمامي ، لكنه سارع بالجلوس بجانب الصبيّ في المقاعد الخلفيّة !

فتابع الأب القيادة وهو يقول :

- اذا كان معك جوّال ، فابلغ احد اقاربك بحادثة احتراق سيارتك

فردّ العجوز : لا أهل لي

فسألته الأم باستغراب : أحقاً ! يعني لا زوجة ولا اولاد ؟!

العجوز بضيق : انا وحيد بهذه الدنيا 

الأب : وماذا كنت تفعل بطريق السفرّ ؟!

العجوز : طردتني قبيلتي ، لقلّة إنجازاتي بالفترة الأخيرة .. ففكّرت الإنتقال للمدينة المجاورة لحياةٍ جديدة

الأم باستغراب : قلّة إنجازاتك ! الا يرحمون كبر سنك ؟!

زوجها باستنكار : لحظة يا عم ! عن أيّةِ قبيلة تتحدّث ؟! فمدينتا والمدينة المجاورة  لا توجد فيهما قبائل بدويّة ؟!

العجوز : بلى !! يوجد العديد منا ، لكننا بعيدون عن الأماكن المزدحمة 


ثم مسح رأس الصبيّ ، وهو يسأله :

- كم عمرك ؟

- سبع سنوات

العجوز : أتدري ان لون بشرتك وشعرك جميليّن للغاية ؟

(وكان الولد يعاني من مرض البهق ، الألبينو)

الولد بحزن : لكن زملائي يستهزأون مني ، وينادونني بالعجوز او رجل الثلج !

العجوز : لا تهتم لكلامهم ، فأنت كنزٌ لا يقدّر بثمن


فاستغرب الوالدان من اهتمام العجوز بإبنهما ، والإستمرار في محادثته لبعض الوقت ! وقرّرا تركه على راحته ، لربما مُشتاق للأجواء العائليّة  

^^^


الى ان وصلوا لمفترق طرق ! فأوقف الأب سيارته وهو يقول باستغراب : 

- سافرت كثيراً بهذا الطريق ، وهذه اول مرّة ارى الشارع الفرعيّ ! 


ليتفاجأ بالعجوز يضع سكينته الصغيرة الحادّة على رقبة ابنه ، وهو يقول بنبرةٍ حازمة :

- هذا هو الطريق الذي سنسلكه !! 

فنظرت الأم بفزع للخلف ، بينما صرخ الأب غاضباً :

- ماذا تفعل ايها المجنون ؟!!

العجوز : الطريق الفرعي سيعيدني الى قبيلتي

الأم بقلق : وما دخلنا بهم ؟!

العجوز : قرّرت العودة ، بعد إيجادي طريقة للإعتذار عن تقصيري بالعمل 


ثم نظر للصبي بفخر :

- انت الحلّ لكل مشاكلي .. لهذا كفّ عن البكاء ، يا بطل !!

فصرخ الأب فزعاً :

- ماذا تريد من ابني ، ايها المنحرف ؟!!

العجوز : قبيلتي ستهتم به 

الأم بخوفٍ شديد : وماذا يريدون من ولدٍ صغير ؟! 

العجوز بابتسامةٍ صفراء : دمه النقيّ الطاهر

الوالدان بصدمة : ماذا !

العجوز : دم المُصاب بالبهق فاتح ، ولذيذ كالعسل 

الأب صارخاً : من ايّة قبيلةٍ مُريبة انت ؟!! 

العجوز : لا تستعجل الإجابة .. إكمل سيرك بالطريق الفرعي ، وإلاّ ستشهدان مجزّرة بالمقعد الخلفيّ 

^^^


فسارع الأب بتحويل مسار سيارته ، للعودة من حيث أتى ! بينما حاولت الأم برعب ، سحب جوالها من حقيبتها للإتصال بالشرطة 

لكنها توقفت بعد سماع العجوز يقول :

- آه على فكرة !! لا تحاولان طلب النجدة ، فطاقتي تُعيق ذبذبات جوّالاتكما  

الأب بعصبية : طاقة ماذا !

وأخرج جوّاله الذي فشل في تشغيله ، وكذلك جوّال زوجته الذي كان مشوّشاً تماماً !


العجوز : لما تحبان المجادلة والإعتراض ؟! هل نسيتما ان مصير ابنكما بين يدايّ؟!

الولد بصوتٍ مرتعش ، والسكين مازالت على رقبته : 

- امي .. انا خائفٌ جداً

الأم وهي تمسح دموعها : حبيبي .. لا تبكي رجاءً

الأب : سأنقذك بنيّ ، لا تقلق 

العجوز : لا تستمع لهما ، فهما عاجزان اكثر منك .. (ثم قال للأب بحزم) ..هيا انظر امامك !! وتابع السير  

^^^


فأكمل القيادة حتى وصلوا لصحراءٍ مُقفرّة..

الأب : ماذا الآن ؟!

العجوز : لنخرج جميعنا من السيارة

الأب بعصبية : عدّ الى قبيلتك ، واترك عائلتي وشأنها !! 

العجوز : هل انت غبيّ ؟ أخبرتك بأنهم طردوني بقرار جماعي .. لهذا لن يستقبلونني ، قبل تقديم ابنك كهديّةٍ لهم .. هيا إنزلا ، لتوديعه


فسارا مُرغميّن خلف العجوز الذي مازال يضع السكين على رقبة ابنهما المنهار بالبكاء ..الى ان وصلوا لكثبانٍ رمليّة كثيفة !

الأب : توقف !! لم نعد نرى شيئاً بعد ابتعادنا عن انوار الشارع

العجوز : لا تقلق ، فقد وصلنا أخيراً .. الآن ودّعا ابنكما الذي لن تريّاه مجدداً 

الأب وهو يتلفّت حوله : لا يوجد احدٌ هنا ، لا خيّم ولا مواشي ! أعدّ ابني ، قبل هجومي عليك !! 

العجوز بتردّد : يبدو انكما تستحقان تفسيراً لما حصل .. حسناً كيف ابدأ ؟ .. انا من قبيلة الجنّ الترابيّة

الوالدان بصدمة وخوف : ماذا !

العجوز : جني ، ما الغريب في الموضوع ؟!

الأم : هل تريدنا ان نصدّق ان جنياً يقود سيارة ؟


العجوز : معك حق ، فنحن كائنات هلاميّة لا يمكننا السيطرة على عالمكم الماديّ ..لهذا تجسّدت عجوزاً بشريّاً لنقلي للمدينة المجاورة.. وبعد تعطّل سيارته الخردة ، رميت السيجارة فوق بنزينه المُتسرّب .. ولوّ أمعنتما النظر داخل السيارة المحترقة ، لرأيتما جثته المُتفحّمة.. لكني استنسخته قبل موته .. لذلك ترياني على هيئته ، وإلاّ لتوقف قلبكما من شكليّ الحقيقي المرعب .. كما تابعت تنكّري لكيّ توصلا الصبيّ الى قبيلتي التي تسكن اسفل هذه الصحراء.. وسأقدّمه قرباناً لرئيسي الشيطانيّ الذي يعشق دماء مرضى المُهق.. لكن لا تقلقا ، خطف ابنكما لن يكون مجاناً.. فهذا النوع من القرابين النادرة يساوي ثقله ذهباً.. لهذا يقوم مشعوذوا البشر بخطفهم على الدوام في كل بقاع الأرض ، خصوصاً تنزانيا وكينيا .. إنتظروني قليلاً.. سأوصل ابنكما لعرش زعيمي ، ثم أُخرج لكما ثمنه


وقبل ان يستوعبا ما قاله ! ضرب بقدمه فوق الكثبان الرمليّة التي سحبته مع الصغير لباطن الأرض ! 


 وانهار الوالدان لاختفاء ابنهما ، وصارا يحفران بأيديهما بهستيريا .. لكنهما لم يجدا سوى التراب !

وعندما يأسا .. أرادا العودة لسيارتهما للتوجّه لأقرب مركز شرطة ، والإبلاغ عن الحادثة المشبوهة !


لكن قبل إدارة ظهرهما ، خرج نورٌ من اسفل التراب ! قبل ظهور كيسٌ كبير من الخيّش.. فظنا ان ابنهما بالداخل.. 

وانهارت الأم خوفاً ان يكون بداخل الكيس : اشلاء ابنها وعظامه

 

لكن الأب تجرّأ على الإقتراب ، مُحاولاً فتح الكيس بيديه المرتجفتيّن .. لينصدم بامتلائه بالعملات الذهبيّة ! مع ورقة مكتوباً عليها :

((علمت قبل قليل ان مصنع عائلتك احترق بالكامل.. يمكنك بهذا المال إعادة بنائه ، لتصبح رئيس إخوتك ، بعد ان كنت مُهمّشاً بينهم.. وعلى فكرة !! جميع افراد قبيلتي يشكرونك على مذاق ابنك اللذيذ.. برأيّ إنسيا وجوده ، وانجبا غيره .. وإن كان طفلكما الجديد مُصاباً بذات المرض ، فتأكّدا أن قبيلتي ستُرسل غيري لخطفه.. فهكذا وليمة لا يمكن تفويتها))


وفجأة ! ارتفعت ضحكات متعدّدة من اسفل الصحراء .. فسارع الأب بحمل كيس الخيّش الثقيل ، والركض مع زوجته الى سيارته التي أكمل قيادتها للمدينة المجاورة.. بعد وضع كيس الذهب ، مكان الصغير بالمقعد الخلفيّ ..وهما يشعران بمشاعر مختلطة بين فقدان ابنهما ، وبين الثرّوة الضخمة التي تفوق ما حلماه به طوال حياتهما !


الأحد، 16 فبراير 2025

الأدلة الجرمية

كتابة : امل شانوحة 

 

مستودع الشرطة


في مستودع مركز الشرطة بالعاصمة ، رُصّت صناديق بلاستيكيّة فيها ادوات استخدمت بجرائم قتل منذ بداية العام..

وفي ليلةٍ الباردة ، أطلّت سكينة مطبخ كبيرة من صندوقها ، للتحدّث مع سكينة جيب صغيرة : 

- مازلت لا أصدّق انه تمّ استخدامك في عملية قتل المغني المشهور؟! 

سكينة الجيب : وهل يُعقل مثلاً ان يحمل القاتل (الذي امتلكني) سكيناً ضخمة مثلك وهو يخترق الجمهور ، لقتل المطرب المغرور ؟

- أقصد ان نصلك صغير ، ليتسبّب بالموت ؟!

- صغير ، لكنه حادّ كسيف سامورايّ.. فقد استطعت بسهولة قطع الشريان السباتي في رقبة ذلك المتغطرس الذي مات قبل وصوله للمشفى.. ماذا عنك ؟


سكينة المطبخ : صدّقي او لا تصدّقي .. إستخدمتني امرأة خمسينيّة في تقطيع زوجها لأجزاءٍ ، وضعتهم في اكياس نفاياتٍ متعدّدة !

- وهل كان ظالماً لها ؟

- هو بالأكثر بخيل .. ويبدو انها بذلك اليوم لم تتحمّل الجوع ، فطعنته اثناء لومه على شرائها بعض الخضار ، التي أكلتها لاحقاً بعد إضافة كبِده!  

سكينة الجيب بصدمة : أحقاً أكلت جزءاً منه ؟!

- هو حرمها طعم اللحم منذ زواجها به .. ولوحشيّة جُرمها ، حصلت على السجن المؤبّد

سكينة الجيب : وانا ايضاً حصل الشاب (الذي استخدمني) على الأعمال الشاقة طوال حياته


فأطلّت عصا بيسبول من صندوق بلاستيكي آخر ، قائلةً بعصبيّة : 

- ما بكما تثرّثران بصوتٍ عالي هذه الليلة ؟!!

فهمست سكينة الجيب لسكينة المطبخ ، بضيق : 

- هاهي العصا المُلطّخة بالدماء تُقاطع سهرتنا من جديد !

سكينة المطبخ بصوت عالي : مساء الخير ، ايتها العصا القوية !! تعالي وشاركينا قصة الدماء التي تغطّي مقدّمتك ! 

العصا باشمئزاز : صاحبي استخدمني في قتل زوجته التي وجدها مع عشيقها ، بعد عودته باكراً من السفر 

سكينة الجيب باهتمام : يعني ضربها على رأسها مراراً حتى الموت؟!

العصا : نعم ، وكنت قلقة ان يكسرني لنصفين من شدّة غضبه

سكينة المطبخ : وهل قتل عشيقها ايضاً ؟

العصا : لا ، تمكّن اللعين الهرب من النافذة

- وهل حُكم عليه بالمؤبّد مثل قضايانا ؟

العصا : فقط عشرين سنة .. فالمحكمة قدّرت ألمه وقهره ، لحظة اكتشافه الخيانة


وهنا سمعوا جلبة ! فنظروا للصندوق البلاستيكي في الخزانة المواجهة لهم ، التي خرجت منها سلّسلة حديديّة وهي تقول :

- على الأقل ماتوا ضحاياكم بسرعة .. اما انا ، فتعذّب كثيراً

العصا : وماذا حصل ؟

السلّسلة : ربطني بأقدام مديره العجوز الذي علّقه بالسقف بالمقلوب ، حتى انفجر رأسه الشائب بالدماء !

سكينة الجيب : ولما هذه الوحشيّة ؟!

السلّسلة : لأنه طرده وحرمه من تعويضه ، بعد لومه على شيء فعله وريثه المُدلّل ! 

سكينة المطبخ : اذاً كان عليه قتل ابن مديره الذي تسبّب في طرده !


وهنا خرج وشاحاً من نفس صندوق السلّسلة ، وهو يقول :

- لقد فعل ذلك بواسطتي.. فبعد تعليقه المدير بقبوّ معمل الشوكولا.. صعد لمكتب ابنه ، وخنقه بوشاحه حتى الموت

العصا : وهل حكموا عليه بالمؤبّد ؟

الوشاح : بل الإعدام بالكرسي الكهربائي ، بسبب ارتكابه لثلاثة جرائم

سكينة المطبخ : تقصد اثنان فقط ؟!

فخرجت قدّاحة وصفيحة بنزين من ذات الصندوق ، قائلةً القدّاحة بابتسامةٍ ماكرة :

- بل ثلاثة !! فقد أحرق المصنع بعد هربه .. مُتسبّباً بإفلاس الورثة الذين طالبوا بإعدامه ، لتدميره صناعةً ناجحة منذ نصف قرن ! وبسبب فظاعة جرمه ، تمّ إعدامه الإسبوع الفائت


وهنا خرجت رصاصة من صندوقٍ مجاور ، وهي تقول بغرور :

- جميعكم وسائل بدائيّة ! اما انا !! فأُعتبر الحلّ الأمثل لإنهاء حياة أيّ شخص 

العصا : وهل تركك الجاني في مسرح الجريمة ؟!

الرصاصة : بل أخرجوني من دماغ القتيل .. 

صفيحة البنزين : وهل أمسكو الفاعل ؟

الرصاصة : مازالوا يتتبعونه ، فهو قاتلٌ متسلّسل ..

 

سكينة الجيب : للأسف ، جميعنا أدلّة لجرائم قبيحة ! 

سكينة المطبخ : برأيكم ماذا سيفعلون بنا ، بعد إغلاق قضاياهم ؟!


وهنا تحدّث صندوق كرتوني مليء بالملفّات القديمة ، موضوع اسفل الخزانة :

- كما فعلوا بغيركم

السلّسلة بقلق : ماذا تقصد ؟

الصندوق : كل عام يقومون بإحراق ادلّة القضايا المحلولة

سكينة المطبخ برعب : ولما لا ينظّفونا من الدماء ، ويبيعونا بسوق الخردة؟!

الصندوق : ومن سيشتريك لتقطيع الخضار ، بعد استخدامك في تقطيع جثّة؟

فتنهّدت تنكة البنزين بضيق : هذا صحيح ! فالبشر كائنات متشائمة للغاية.. اسألوني انا !! فأنا بالعادة أتواجد في صناديق سياراتهم ، وأسمع مشاداتهم الكلاميّة مع مرافقيهم او من خلال الجوّالات .. هم مُتذمّرون للغاية !

سكينة الجيب بخوف : أقلت انهم يفعلون ذلك كل عام ؟!

الصندوق : تقريباً

العصا بقلق : ونحن اجتمعنا منذ سنة ، إن كانت حساباتي صحيحة.. فهل سيقومون..


وقبل إكمال كلامها ، دخل شرطي وهو يقول لعامل النظافة :

- إفرغ ما بداخل الحافظات البلاستيكيّة .. ثم خذهم الى المحرقة

عامل النظافة : وماذا بشأن صندوق الملفّات ؟

الشرطي : لم يأتي وقته بعد .. إتركه بالمستودع


وصارت الأدوات (أدلّة الجرائم) ترتعش رعباً ، قبل جمعهم بكيس زبالة كبير .. ولم يسمع أحد نحيبهم وبكائهم ! سوى الصندوق القديم المُغبرّ ، المليء بملفّات القضايا التي لم تُحلّ بعد (لغموضها ونقص الأدلّة) 


وبعد خروج زملائه الذين تجمّعوا في كيس العامل الذي أعاد قفل المستودع ..تنهّد الصندوق بضيق ، وهو يقول :

- لن أفتقدهم طويلاً .. فقريباً ستُملأ جميع الحافظات البلاستيكيّة بالأسلحة الداميّة ، فأطماع البشر وجرائمهم لا نهاية لها !


صاحب اليد الطويلة (فانتازيا)

تأليف : امل شانوحة  الأمنيّة النادرة على تلّ الأمنيات ، إجتمع اهالي القرية الريفيّة لرؤية مُذنّبٍ يمرّ مرّة كل مئة عام .. وعند مروره ، طلب ك...