تأليف : امل شانوحة
المصعد المُعطّل
في حفلة رأس السنة ، المُقامة على سطح شركةٍ تجاريّة .. تعطّل المصعد اثناء نزوله للطابق الأرضيّ .. لتعلق الموظفة الجديدة الخجولة مع الشاب الّلعوب (ابن المدير ونائبه)
وبعد طرقهما على باب المصعد وصراخهما بعلوّ صوتهما ، رضخا للأمر الواقع بالبقاء في المصعد لحين انتباه احد العاملين بالشركة على تعطّله ، على امل إنقاذهما قبل الإحتفالات الصاخبة !
وتكوّرت الصبيّة في زاوية المصعد .. بينما تعمّد الشاب الوسيم على الجلوس قربها ، مُتجاهلاً إرتباكها وعدم نظرها اليه !
ليسألها بصوته الرخيم :
- لم أركِ من قبل ! هل توظّفت حديثاً في شركة ابي ؟
فأومأت برأسها إيجاباً..
الشاب : غريب ! يبدو شكلك مألوفاً
وحاول رفع رأسها ، لرؤيتها جيداً .. لتُفاجئه بردّة فعلها : بإبعاد يده بعنف !
فقال مبتسماً : أُحب الشرسات اللآتي يدّعين العفّة
الموظفة بحزم : رجاءً إبتعد عني !!
- لا تقلقي عزيزتي .. لست غبيّاً للتحرّش بك ، بوجود كاميرا المصعد ..فهذا سيوقعني في مشاكل قانونيّة ، خاصة انك تبدين أصغر من 18 ! ام انك اكبر؟
فلم تجبه ، وحاولت الإنشغال بجوّالها..
الشاب : لا تتعبي نفسك ، فالأجهزة لا تعمل هنا
فأعادت جوّالها بضيق الى حقيبتها اليدويّة ..
الشاب : طالما انت خجولة ، فلما اشتركتِ بحفلة رأس السنة ؟!
- زملائي أُرغموني على ذلك
- آه فهمت .. وعندما ضايقتكِ زحمة السطح ، قرّرتِ العودة لمنزلك قبل حلول منتصف الليل .. تماماً كسندريلا
وأمسك حذائها..
الشاب : اساساً تشبهينها بمقاس قدمك الصغيرة !
فأبعدت يده بعنف للمرّة الثانية ، قائلةً بعصبيّة :
- رجاءً إتركني وشأني ، وإلاّ سأصرخ بعلوّ صوتي !!
الشاب ساخراً : صرخنا قبل قليل ، ولم يسمعنا احد
فعادت لتكوّر على نفسها من جديد ، وهي تُبعد نظرها عنه ..
الشاب : يبدو انك لا تثقين بنفسك ، مع ان شكلك لا بأس به !
فنظرت اليه ، كأنها غير مُصدّقة ما قاله !
الشاب بابتسامةٍ خبيثة : آه ! أعرف هذه النظرة جيداً.. يبدو ان والديّك لم يمدحانك طوال حياتك ، وربما عانيّتي من التنمّر في دراستك .. وأظنك تملكين موهبةً ما ، تُخفينها عن الجميع .. وبواسطتها تُخرجين غضبك المكبوت ، اليس كذلك ؟
فأجابته بصدمة : كيف عرفت ؟!
فقال بغرور : عزيزتي ، الفتيات بالنسبة لي كتابٌ مفتوح ..فهنّ يُلاحقنني كالذباب منذ صغري .. هيا إخبريني ، ماهي موهبتك ؟
فلم تجبه..
الشاب بنبرةٍ جادّة : إسمعيني جيداً !! لديّ الكثير من العشيقات ، ولا أنوي إضافة أخرى على قائمتي .. لكننا عالقان هنا ، وأحاول تضيّع الوقت .. فمازالت هناك ساعة على منتصف الليل ، وساعة اخرى على انتهاء الحفل .. فهل سنمضي كل هذا الوقت صامتيّن ؟
- ولما لا ؟
الشاب : سيكون مللّاً لا يُطاق ، ولن تكون بداية جيدة للسنة الجديدة
- طالما لديك الكثير من المُعجبات ، فلما تركت الحفل ؟!
- لم أترك ضيوفي ، بل كنت مُستمّتعاً للغاية .. لكني اردّت النزول للموقف ، لإحضار شيءٍ من سيارتي .. ولسوء حظي علقت معكِ
الفتاة بعصبية : بل لسوء حظّي انا !!
- هيا لا تكوني مُتزمّتة هكذا ، إخبريني بهوايتك ؟
فسكتتّ قليلاً ، قبل ان تقول : لديّ موهبة التخطيط الدقيق
الشاب باستغراب : ماهذه الهواية الغريبة ؟!
- أقصد إيجادي الحلول المناسبة للمشاكل العالقة
- مثل ماذا ؟
الفتاة : الأمر يفوق تفكيرك
فردّ بسخرية : يالا تواضعك ! اراهن انك كنتِ مُتفوّقة في الدراسة ؟
- نعم !! بعكسك
الشاب : بهذه معك حقّ .. ومع ذلك تخرّجت بسهولة من الجامعة ، بسبب واسطة ابي .. فأنا من عائلةٍ ثريّة
- واضحٌ جداً
- اكيد واضح .. فملابسي من أفخم الماركات ، بينما انت..
الفتاة مقاطعة : لم أتوظّف لكيّ أتفاخر بهذه السخافات !!
الشاب : حسناً لنغيّر الموضوع ..هل لديك إخوة ؟
فتنهّدت الفتاة بحزن : اختٌ واحدة
- تكبرك ام تصغرك ؟
- تصغرني
الشاب : ولما لم تأتي للحفلة ؟ فقد سمحنا للموظفين بإحضار شخصيّن من عائلاتهم
- هي تقضي وقتها في مكانٍ افضل
الشاب : يبدو بينكما غيرة وتنافس ! حسناً دعيني أتحدّث عن نفسي .. انا الوريث الوحيد لأملاك والدايّ الضخمة .. وكما تلاحظين .. فأنا شابٌ وسيم للغاية ، يعني حلم كل فتاة
- ليست كل الفتيات !!
الشاب بدهشة : غريبٌ امرك ! يعني تعرفين انه بإمكاني طردك بسهولة ، مع هذا تجادلينني بكل أريحيّة .. باعتقادي تشبّثك برأيك هو سبب حياتك البائسة
- بل كانت حياتي مثاليّة
الشاب : كانت ؟!
الفتاة بحزن : قبل قيام احدهم بتدمير عائلتي
الشاب باهتمام : ماذا حصل ؟!
وهنا سمعا شخصاً ينادي من خارج المصعد :
- هل يوجد احدٌ بالداخل ؟!!
فسارعت الفتاة بالنهوض ، والطرق على الباب بقوّة :
- نحن عالقيّن منذ نصف ساعة
العامل : حسناً ، سأصلح العطل بالحال !!
فنهض الشاب ، ووقف قريباً منها :
- لم تكملي قصة عائلتك ؟
فقالت بلؤم : المصعد سيتحرّك بعد قليل ، لا داعي لمشاركتك همومي
^^^
وبعد دقائق ، تابع المصعد نزوله للأسفل.. ثم راقبها الشاب وهي تخرج من موقف الشركة .. فلحقها بسيارته ، وهو يناديها :
- توقفي !! هل تظني من السهل إيجاد سيارة اجرة بآخر ساعة من ليلة رأس السنة ؟!
الفتاة والجوال بيدها : احاول الإتصال بأوبر ، لا تقلق بشأني
- مستحيل !! لن تجدي سيارة إجرة مُتفرّغة مع إقتراب موعد الإحتفالات.. تعالي أُوصلك منزلك ، وفي الطريق تُكملين قصتك
- الم تكن تريد اخذ شيءٍ من سيارتك ، والعودة للحفل ؟!
الشاب : ستكون هناك سهرات اخرى .. فمن الصعب عليّ ترككِ ، بعد أن أثرتِ اهتمامي .. يعني نوعك المُتزّمت ، لم يمرّ عليّ من قبل!
- هل ملّلت النساء اللآتي تلاحقنك باستمرار ؟
- تقصدين الرخيصات و..
فقاطعته غاضبة : لم يكنّ جميعاً رخيصات !!
باستغراب : ولما غضبتِ هكذا ؟!
فصمتتّ وهي تراقب الشارع ، بانتظار مرور سيارة اجرة .. بعد إعادة جوالها بتأفّف لحقيبتها ..
الشاب : هل فرغ شحنك ؟
- نعم للأسف !
- اذاً لا تعانديني ، دعيني اوصلك الى منزلك
فدخلت بضيق الى سيارته ، وهي تقول :
- لوّلا تأخر الوقت ، لما وافقت على الركوب معك
الشاب : تصبحين اجمل عندما تكونين مُطيعة
^^^
وفي الطريق..
- الن تكملي قصتك ؟
الفتاة باستغراب : ايّة قصة ؟!
- قصة خراب عائلتك .. هل والداك مُطلّقان ؟
فردّت بحزن : للأسف !
- هل حصل ذلك حديثاً ؟
الفتاة : قبل عام وبضعة اشهر
- هل بسبب الخيانة ؟
الفتاة بغضب : لا تدعني أصفعك الآن !!
- يا فتاة ! لما تنتابك نوبات غضبٍ مفاجئة ؟! هل انت ممسوسة بالجن والعفاريت ؟!
- ابي وامي مُخلصيّن لبعضهما ، لكنهما لم يتحمّلا مصابهما الكبير.. ولا تسألني ماهو ، لأن جرحه مازال يؤلم قلبي حتى اليوم
الشاب : يبدو غير مستعدّة للفضّفضة بعد !
فأومات برأسها إيجاباً..
الشاب : الهذا أجبرك زملائك على حضور الحفلة ؟
- وهربت قبل ملاحظتهم إختفائي
- اذاً صار من واجبي تحسين نفسيّتك
الفتاة بقلق : ماذا تقصد ؟!
وقاد سيارته بطريقٍ فرعيّ ..
الفتاة بخوف : الى اين تذهب ؟! هذا الطريق لن يوصلني للعنوان الذي أعطيتك اياه!
- أريد ان أريك فلّتي الفخمة
- ومن قال انني اريد رؤيتها !
الشاب : لا تقلقي ، سنتحدّث فقط
- انا لا اثق بك
- يبدو وصلتك الإشاعات القذرة ! لكني لست من النوع الذي يُجبر احد على مصاحبتي .. فلديّ عشرات الإختيارات : معظمهنّ ممثلات مشهورات وعارضات ازياء ، وفاتنات من دولٍ اجنبيّة .. هل تظني سأختار فتاةً مُعقّدة لإمضاء سهرة رأس السنة معها ؟ كل ما اريده هو فهم مشكلتك
الفتاة بتهكّم : وهل انت طبيبٌ نفسيّ ؟
- امي من اهم الأطباء بالبلد .. وعلّمتني العديد من العلاجات والأساليب النفسيّة ، خصوصاً فهم لغة الجسد .. وحسب تصرّفاتك ، تبدين كالبركان على وشك الإنفجار ! لهذا أجدك مثيرة للإهتمام .. فأنا اريد معرفة الموضوع الذي يُضايقك لهذه الدرجة ؟ وهل له علاقة بطلاق والديّك ؟
فالتزمت الصمت..
الشاب : جيد !! طالما لا تقاومين ، فأنت على طريق العلاج
^^^
ثم توقف امام فيلا فخمة صغيرة ..
الشاب : هذه الفيلا أستخدمها للعطل الإسبوعيّة ، لأني اعيش بقصر والدايّ.. لهذا اخترتها صغيرة ، لحبي للخصوصيّة دون وجود خدمٍ حولي .. هيا دعيني اريك اياها من الداخل
^^^
وفي الصالة ، اراد أن يُريها الطابق العلويّ .. لكنها أصرّت على الجلوس بجانب المسبح ، الموجود في حديقته بأسوارها العالية
الشاب : لكنه يوجد غرفٌ رائعة بالأعلى
- الضيوف لا يصعدون لغرف النوم
- وماذا لوّ اعتبرك اكثر من ضيّفة ؟
الفتاة بحزم : إسمعني جيداً !! سأخرج من منزلك فور شحن هاتفي ، للإتصال بأوبر الذي سيعيدني الى منزلي
- إذاً سأحضر الشاحن .. يمكنك اختيار العصير الذي سنشربه معاً
وصعد للطابق العلويّ .. وكان المطبخ مُتصلا بالصالة المُطلّة على الحديقة .. ففتحت الثلاجة ، لتجد كافة المشروبات الكحوليّة .. فاختارت عصيراً غازيّاً
^^^
وعندما نزل للحديقة ، وجدها تضع كأسيّن على الطاولة وهي شاردة الذهن ! فجلس على الكرسي المجاور لها ، وهو يقول :
- الم تختاري سوى البيبسي ؟!
الفتاة : لا أحب الخمور والدخّان
- لست متفاجئاً ، فأنت تبدين مثاليّة بالنسبة لي : كالقطة الصغيرة او الصوص الذي مازال في البيضة !.. تذكّريني بموظفة قديمة ، كانت ساذجة مثلك
- وماذا حصل لها ؟
الشاب : فجأة لم تعد تداوم ! فوظّفنا غيرها
- الم تسأل عنها ؟
- ولما افعل ؟ شركتنا من اهم شركات البلد ، والكثير يتمنّون التوظّف فيها .. آه صحيح ! لم اسألك بعد .. بأيّ قسم تعملين ؟
الفتاة : الأرشيف في قبوّ الشركة
- ولما وافقتي العمل هناك ؟!
- تعلّمت الإدارة والحاسوب واللغة الإنجليزيّة في معهدٍ بقريّتي .. لهذا وظّفوني هناك ، لعدم امتلاكي شهادةً جامعيّة
الشاب : لهذا لم اركِ من قبل ! جيد ان المصعد علق فينا .. هيا إشربي عصيرك ، وحاولي الإسترخاء قليلاً .. فأنت لم تخبريني بسبب طلاق والديّك و..
وبدأ يتثاءب..
الشاب باستغراب : غريب ! بالعادة لا أنعس بهذا الوقت المُبكّر
ثم نظر الى ساعته..
- عشر دقائق ، ويبدأ العدّ التنازلي لسنة الجديدة .. وطالما فلّتي على هضبةٍ مرتفعة ، سنشاهد معاً المُفرقعات بالسماء
وهنا سقط العصير من يده ..
الشاب بقلق : يا الهي ! لما يدي اصبحت ثقيلةً هكذا ؟!
الفتاة : ماذا بشأن قدميّك ؟
الشاب برعب : لا استطيع تحريكهما ! مالذي يحصل لي ؟!!
وهنا اضاءت الفتاة جوالها على صورة صبيّة اخرى ..
- هل تتذكّرها ؟
الشاب بدهشة : هذه الموظفة التي شبّهتك فيها !
- والتي اختفت فجأة ، اليس كذلك ؟
الشاب بقلق : من انت ؟
- انا اختها الكبرى .. أتدري مالذي حصل لها ؟ إنتحرت بعد رفضك الزواج بها ، حزناً من الفضيحة التي انتشرت بقريتنا المُتحفّظة ، بعد خبر حملها الغير شرعي منك.. وبعد موتها ، تفرّق والدايّ .. وعشت مع جدتي .. (ثم مسحت دمعتها) .. كانت اختي طموحة للغاية .. وتفوّقت بدارستها الجامعيّة لأنها تحلم بالثراء والشهرة ، فهي تكره حياة الريف .. لهذا كانت ضحيّةً سهلة لك .. وبعد موتها ، قرّرت دراسة الإدارة بالمعهد .. لكن للأسف وظيفتي بإرشيف شركتك ، منعني مقابلتك .. حتى بالحفل لم تنتبه عليّ ! الى ان سمعتك بالصدفة تُحدّث صديقك بأنك نسيت المخدّر بسيارتك ، والذي تنوي وضعه خفيةً في كوب ضحيّتك القادمة .. وانك ستنزل للموقف بعد انهاء رقصتك معها .. فأسرعت لعامل المصعد ، ورشوّته بالمال ، لكيّ يوقف المصعد بنا لنصف ساعة على الأقل .. وعندما أتينا الى هنا وصعدت لغرفة نومك ، وضعت دواءً في مشروبك ..
الشاب بألم ، وهو يحاول تحريك اطرافه المُتصلّبة :
- مالدواء الذي وضعته ؟!
- انا طبيبةٌ بيطريّة .. وهذا دواء نضعه للأحصنة ، لشلّ حركتها اثناء ولادتها المُتعسّرة .. هو دواء غير مميت ، ويدوم ساعة على ابعد تقدير .. لكن معك سيدوم العمر كلّه
بخوف : ماذا تقصدين ؟!
فنظرت الى ساعتها :
- بعد قليل ستنطلق المُفرقعات المدويّة ، حينها لن يسمع احد صراخك
فانهار باكياً :
- لم اقصد التلاعب بأختك ، بل هي لاحقتني بكل مكان !!
الفتاة بلؤم : لا تهمّني تبريراتك.. الم أخبرك إن هوايتي ، هي التخطيط الدقيق ؟ ولي اكثر من عام انتظر هذه اللحظة ، للإنتقام لأختي الوحيدة
ثم نظرت لساعتها وهي تعدّ :
- 3 – 2 – 1 .. (ثم بصوتٍ عالي) .. سنةٌ سعيدة !!
وما ان انطلقت المُفرقعات الصاخبة .. حتى رمته من الكرسي ، ليسقط دون حراك على الأرض ! ثم دفعته بكل قوّتها باتجاه المسبح
واثناء محاولته الطفوّ بأطرافه المشلولة ، تلاشت صرخاته اليائسة مع ارتفاع موسيقى الإحتفالات بالفلّل المحيطة في مجمّع الأثرياء .. بينما تستمّر بالضغط فوق رأسه ، لبقائه اسفل الماء .. الى ان غرقت جثته لعمق المسبح !
^^^
وفي الوقت الذي امتلاءت السماء بالمفرقعات الناريّة ، كانت تجلس في سيارة اوبر في طريقها الى منزل جدتها بالقرية .. بعد انتقامها من قاتل اختها ومُدمّر عائلتها ، عقب إحقاقها العدالة لجميع الفتيات اللآتي تلاعب بمشاعرهنّ على مدى سنواتٍ طويلة !