الثلاثاء، 6 مايو 2025

لعبة القدر

كتابة : امل شانوحة 

الفرصة الثانية


ذات يوم .. قدِمَ الشرطي عزيز الى منزله ، ومعه صبيّة.. فتفاجأت اخته الكبرى :

- من هذه ؟!

- هذه أليف .. ومن اليوم ستعتني بوالدنا دون مقابل 

(وكان والده مصاباً بالشلّل)..

فأخذته اخته جانباً :

- لم افهم ! لما ستعمل بالمجّان ؟!


فأفهمها ان والد الصبيّة مُدمن قمار.. وكان على وشك بيعها ! فالتجأت لمركز الشرطة لحمايتها من صاحب الكازينو الذي أصرّ على اخذها ، بدل ديون والدها ! ولأنها مازالت بريئة وفاتنة الجمال ، قام عزيز بدفع ديون الكازينو


الأخت بدهشة : هل جننت ؟! أصرفت كل مالك الذي ادّخرته لزواجك القريب ؟

عزيز : لم استطع التخلّي عنها.. فقد استشعرتُ نيّة صاحب الكازينو بتوظيفها بالدعارة .. وهي كما ترين ، فتاةٌ محجبّة ومتديّنة .. بعكس والدها الفاسق الذي هرب لجهةٍ مجهولة بعد تخلّصه من دين القمار ، دون اهتمامه بمصير ابنته ! 

- وما حاجتنا لها ؟ فأنا اهتم بكل شيءٍ هنا ! 

- إهتمي انت بالمطبخ ، ودعيها تهتم بوالدنا .. بالنهاية ستبقى معنا ، الى ان تُوفّي الديّن الذي دفعته عن والدها .. يعني قرابة الستّة أشهر 

اخته بقلق : اخاف ان تضايق خطيبتك من وجودها بيننا.. خاصة بعد صرفك الدفعة الأولى لمنزلكما الجديد ! 

- سأستأجر شقّة ، لحين جمعي ثمن منزلٍ آخر 

^^^


فبدأت أليف بالعمل لديهم دون اعتراض.. فوجودها كمرافقة لعجوزٍ لطيف ، أفضل من عملها القذر بالكازينو.. وكانت مُمتنّة لذلك ، حيث اعتاد عزيز على سماعها كل ليلة (من خارج غرفتها) : بأن يحفظ الله شرفها من الرجال السيئين 

***


وبمرور شهرين على تواجدها بينهم ، بدأ قلب عزيز يميل لها .. خاصة لتعاملها الرحيم مع والده المشلول الذي تصرّ على اخذه بنزهةٍ كل صباح (على كرسيه المتحرّك) مما حسّن نفسيّته كثيراً ، فهو اعتبرها كإبنته الصغرى .. وهي بدوّرها عاملته كالوالد الذي تمنّته طوال حياتها ، بدل ابيها المُنحرف ذوّ السمعة السيئة !  وكان واضحاً حنانها ولطفها وهي تُطعم والده ببطءٍ واهتمام ، كأنها ممرّضته .. بعكس خطيبته التي تتأفّف من وجوده في الصالة ، خلال زيارتها لعزيز 


حتى ان والده نصحه بالزواج من أليف ، بدل خطيبته التي لم تعجبه يوماً .. وهذا جعله يُراقبها على الدوام ، لتأكّد من اقتراح والده : بأنها الزوجة الأفضل له ! فهو من البداية أُعجب بحيائها وعزّة نفسها ، بعكس خطيبته التي تتعمّد كسر كلمته بزينتها المُتبرّجة وثيابها الغير مُحتشمة


وكان بالفعل على وشك إلغاء خطوبته .. إلاّ ان رئيسه (بمركز الشرطة) رفض تقرّبه من أليف ، بعد ان وصلته اخبار بتورّط والدها بمقتل مُقامرٍ بكازينو آخر ! وعليه مهمّة القبض عليه ، دون تعاطفه مع حماه المستقبلي 


فقرّر عزيز تأجيل الموضوع لحين رميّ الفاسق بالسجن ، وإبعاده تماماً عن حياة ابنته التي أخفى عنها جرمه الثاني !


لكن قرار رئيسه جاء متأخراً ، بعد ان مال قلب أليف لعزيز ايضاً .. مما اثار غيرة خطيبته التي أصرّت إمّا الإستعجال بالزواج او طرد المسكينة من المنزل ! 

ولأن مهمّة عزيز (القبض على والدها الهارب) التي ربما تطول لشهور ، توجّب عليه الحدّ من إنجذابها له ! لهذا اتفق مع خطيبته على إقامة العرس ، بشرط عدم بدء شهر العسل قبل إنهاء مهمّته السرّية .. فوافقت مُرغمة على طلبه الغريب ! 

(دون علمها بنيّته إنهاء المهمّة سريعاً لتطليقها ، والعودة لحبيبته المُتديّنة) 


وكان قرار زواجه القريب ، كفيلاً بكسر قلب أليف التي شعرت بالأسابيع الماضية بمشاعر متبادلة بينها وبين عزيز !


ومازاد الطين بلّة ، هو إنجذاب صديق عزيز لأليف فور رؤيتها بزيارةٍ عابرة ..مما اثار غيرة عزيز ، خصوصاً بعد رؤية صديقه يعطيها رقم جواله !


وعندما علم بتحدّثه معها طوال الليل (بالجوّال) جُنّ جنونه.. فأخبرته بنيّة صديقه الزواج بها ..

فرفض بشدّة ، مُعلّلا ذلك : بديّن والدها له !


ويبدو انها اخبرت صديقه بالموضوع.. لأنه قدِمً في اليوم التالي ومعه شيك بمبلغ الديّن ، قائلاً بحزم :

- حرّر حبيبتي يا عزيز !!

عزيز بصدمة : حبيبتك ! انت لم ترها سوى البارحة..

- وأعجبتني على الفور.. خُذّ دينك ، واتركنا وشأننا 

ورمى الشيك امامه ! 


وقبل ان يردّ عليه بقسّوة ، تفاجأ بأليف تخرج من غرفتها بكامل اناقتها وهي تحمل حقيبتها :

عزيز بقلق : الى اين ؟!

فأجاب صديقه : الى المحكمة الشرعيّة .. سنتزوج بالحال 

فصرخ عزيز غاضباً : لن اوافق !!

صديقه باستغراب : انت عرسك بنهاية الإسبوع ، فما دخلك بخطيبتي ؟!!

أليف وهي تكتم حزنها : قمت بتوديع والدك قبل قليل ، وهو تمنّى لي الخير والسعادة .. رجاءً أوصل سلامي لأختك بعد عودتها من السوق .. الوداع استاذ عزيز 


ثم حمل صديقه حقيبتها ، وخرجا من المنزل .. مما أفقد عزيز اعصابه!!! 

فلحقهما بسيارته الى المحكمة ، دون معرفته برقم المكتب الذي هما فيها .. 

وعندما وصل ، كان متأخراً بعد سماعه الشيخ يقول :

- أُعلنكما زوج وزوجة !!


فعاد الى سيارته وهو منهار تماماً .. وأكمل طريقه نحو مركز الشرطة ، مُقتحماً مكتب مديره بغضبٍ شديد : 

- هل انت سعيدٌ الآن !! بسبب مهمّتك السرّية ، خسرت حبيبتي!!


واستقال من عمله ، مُتجهاً للمطار .. 

وهناك اتصل بإخته ليُخبرها بسفره لبعض الوقت ، قبل فقدان عقله .. وطلب منها إخبار خطيبته ، بإنهاء موضوع الزواج بها !

***


وكان المفترض عودته بعد اسبوعيّن .. لكن غيبته طالت لسنة ، بعد توظّفه في مدينةٍ اخرى ! 


وفي يوم .. إتصل بأخته للإطمئنان على احوال ابيه ، فأخبرته برؤيتها لأليف بالسوق ، وهي حامل بشهرها الأخير .. فصرخ غاضباً :

- لا اريد معرفة شيء عنها ، مفهوم !!

وأغلق الهاتف ، والدموع في عينيه

***


بعدها بأسبوع ، إتصل بوالده ليخبره بزواجه من زميلته الشرطيّة ! مما اسعد اخته لقراره بإكمال حياته ، لكنه بالحقيقة تزوّجها لنسيان أليف 

إلاّ ان زواجه لم يدم عاماً ، بعد ان أكّد الطبيب عقم زوجته.. والتي طلبت الطلاق ، فوافق دون تردّد !

^^^


بعدها عاد الى بلدته.. فألحّت عليه اخته للزواج ثانيةً ، خاصة ان خطيبته القديمة (التي لا تعلم بعودته) مازالت عزباء .. لكنه رفض الموضوع تماماً 


وذات يوم .. مرّ بالصدفة بجانب منزل صديقه ، ليراه يتحدّث مع زوجته أليف وهي تحمل طفلهما الجميل .. 

فقال عزيز في نفسه ، بقهر : 

((كم انت محظوظاً بها))

***


لم يمضي شهر ، حتى وصله خبر موت صديقه وطفله بحادث سير ! بينما نقلوا أليف الى المستشفى وهي تعاني من فقد الذاكرة..


فانطلق مسرعاً الى هناك للإطمئنان عليها ، ليُخبره الطبيب بفقدان جنينها..

عزيز باستغراب : أتقصد انها كانت حاملاً بالطفل الثاني ؟!

الطبيب : نعم ، كانت بشهرها الخامس .. وللأسف فقدّت كلا ولديّها !

^^^


وما ان رأت أليف عزيز في غرفتها بالمشفى ، حتى سألته بابتسامةٍ خجولة: 

- ألم تحدّد بعد يوم عرسنا ؟! 


ففهم عزيز انها نسيّت أمر صديقه وطفلها وجنينها ، لكنها مازالت تتذكّر قصة حبهما البريئة التي لم تكتمل يوماً !

فطلب منها الإنتظار ، ريثما يُجري مكالمة مهمّة 


وخرج من غرفتها للإتصال بقريبه الشيخ ، الذي اجابه :

- طالما أسقطت جنينها ، فهذه عدّتها .. يعني يمكنك الزواج بها فوراً  


فطلب منه القدوم للمستشفى لعقد زواجهما .. وبعدها أخذها للفندق ، وهما في قمّة السعادة لتحقّق حلمهما اخيراً


وهذا الخبر اسعد والده (الذي احبها كإبنته) ..لكنه لم يُعجب اخته ، بسبب صيت والدها السيء ، والذي قُتل بشجاره مع إحدى العصابات!


ولخوف عزيز أن تُذكّرها اخته بزوجها وولدها المتوفيّن ، استأجر بيتاً بعيداً عن اهله .. دون ان يخبرهما عنوانه ، بينما يزورهما وحده من وقتٍ لآخر 

***


وبعد شهرين من حياته الجميلة مع عروسته .. مرّا بالصدفة امام حديقة اطفال .. ليتفاجأ بأليف تمدّ رأسها من نافذة السيارة وهي تنادي ابنها مراراً ، قبل ان تسأله بفزع :

- عزيز ! اين ابني ؟ لا اراه مع الأطفال .. هل خطفه احد ؟!!


فركن سيارته جانباً .. وأخذ يتكلّم معها بهدوء ، وهو يُصبّرها على مصيبتها .. وبصعوبة شديدة تقبّلت وفاة ابنها ، وجنينها التي كانت تنتظر ولادته .. فأعادها عزيز الى منزله ، وهي منهارة بالبكاء 

^^^


وفي ذلك المساء ، أمسكت يده بقوّة : 

- عزيز !! انت مدينٌ لي بعائلة 

- ماذا !

- اريد اطفالاً يا عزيز .. لا استطيع العيش دون اولاد !!

- حسناً اهدأي حبيبتي .. فلم يُمرّ ثلاثة اشهر على زواجنا ، وإن شاء الله تحملين قريباً

فارتمت في حضنه باكية ، وهي مشتاقة لإبنها المتوفيّ..

***


لم تنتهي السنة ، حتى أنجبت ولديّن توأميّن.. وقد وافق عزيز على تسميّة البكر ، بإسم ابنها المرحوم .. 


وبعد بلوغهما الستة اشهر ، أخذها (بناءً على طلبها) الى المقبرة.. وكانت تحمل ابنها البكر ، وهو يحمل ابنه الآخر.. 

أليف : أنظر بنيّ .. هنا قبر اخوك الكبير الذي تحمل اسمه .. وأريدك عندما تكبر انت وأخيك ان تزوراه دائماً ، ولا تنسياه ابداً 


ثم مسحت بيدها على شاهد قبر ابنها ، وهي تبكي :

- سامحني لأنني نسيتك لشهور ، لكني اعدك بأن تبقى في قلبي دائماً 

ثم نظرت لقبر زوجها :

- رحمك الله ، فقد كنت زوجاً رحيماً

فشعرت بضيق عزيز ! فسألته باستغراب : 

- أمازلت تغار منه بعد وفاته ؟!

- هو كسر قلبي بزواجه منك

أليف : وانا وافقت عليه ، بعد علمي بموعد زواجك من خطيبتك .. يعني انت كسرت قلبي اولاً !

- أخبرتك ان رئيسي أجبرني على ذلك .. وكنت أخطّط لتركها بعد انتهاء المهمّة .. لكنه (وأشار الى قبر صديقه) خطفك مني !

أليف : المهم بالنهاية تزوّجنا ، فلما مازلت غاضباً من المرحوم ؟!

فأجاب بقهر : لأني تمنّيت لوّ لم يلمسك احد سوايّ

- هذا قدرنا : ان تكون انت زوجي الثاني ، وانا زوجتك الثانية ..ربما بذلك نعرف قيمة حبنا اكثر

عزيز بحزن : كان بالفعل أصعب درسٍ بحياتي !

 

ورفع يديه لقراءة الفاتحة على روح صديقك ، ثم قال :

- أشكرك على رعايتك لأليف ، وحنانك معها .. وأعدك بالحفاظ عليها طوال حياتي 


ثم خرجا من المقبرة مع طفليّهما ، وهما يحمدان الله ان جمعهما بعد لياليٍ طويلة من القهر والحرمان ! 


السبت، 3 مايو 2025

امنية حورية

تأليف : امل شانوحة 

السلام العالمي


إشتهرت إحدى حوريّات الجنة بفضولها لمتابعة اخبار البشر على الأرض ، ومراقبة احوالهم من خلال بلّورةٍ سحريّة في قصرها العاجيّ


وذات يوم ، شاهدت عزرائيل يخرج من مكتبه (المتواجد فوق غيمةٍ ماطرة) في مهمّة مع جنوده ، لقبض ارواح من حان وقت وفاتهم ! 


فتسلّلت الى مكتبه ، لتجد آلاف الملفّات المُصنّفة حسب البلدان .. وأكثريّة المرصوص على الرفوف من الملفّات السوداء (اكثر من البيضاء) المُخصّصة لذنوب العباد !


وكان على مكتبه حاسوباً مضاءً ، فيه نسب الفاسقين بالعالم الذين يتزايد عددهم كل ثانية مع ارتكابهم المعاصي ! 


فجلست تقرأ الملفّات ، قبل ان تتنهّد بضيق : 

- هناك الكثير من البشر الغوغائين ، لا فائدة من وجودهم ! 

وفكّرت قليلاً ، قبل ان تقرّر :

- حسناً !! سأجازف بحذف ملفّاتهم ، حتى يعيش الصالحون بأمان في اوطانهم 


وبدأت اولاً بحذف ملفّات المجرمين حول العالم : خصوصاً القتلة والمتحرّشون ومحترفي النصب والسرقة 

ثم لغت ملف تجّار ومدمني المخدّرات والكحول ، وتجّار الأعضاء والرقيق 


وايضاً ملفّ الشواذّ والزناة .. والملّحدين واتباع الأديان المُبتدعة ، والسّحرة والمشعوذين


ثم تابعت حذف ملفّ المعاقين (الشللّ الكامل) والمجانين .. والمعقّدون نفسيّاَ : خصوصاً الآباء والأمهات النرجيسيّون.. كما مرضى الغيبوبة ، والعجائز فوق سن التسعين (المصابين بالزهايمر) وصولاً للمنغوليين واطفال التوحّد!

وهي تبرّر فعلتها :

- هم لا يفيدون المجتمع بشيء ، بل يحتاجون لرعايةٍ دائمة !


ثم تابعت حذف ملفّات العلماء الّلا إنسانيين في المختبرات البيولوجيّة الذين يخترعون الأمراض والأوبئة .. وأصحاب مصانع السلاح والنووي حول العالم .. والسياسيون الفاسدون 


وبعدها حذفت ملفّات : الشحّاذين ، والباعة المتجوّلين ..والفرق الراقصة والسيرك .. والفقراء المُعدمين الغير طموحين لتحسين حياتهم ، خصوصاً المتشرّدون البليدون .. بالإضافة للأيتام الّلقطاء !


ثم تابعت قراءة الملفات ، وهي تتساءل :

- من بقيّ من البشر لا يستحق الحياة ؟

^^^


بهذه الأثناء .. إستيقظ من تبقّى حياً على الأرض وهم يشعرون بقلقٍ شديد ، بعد ان خلت شوارعهم من الناس المعتادين على رؤيتهم كل يوم ! 


وسرعان ما انتشر خبر الجثث المتناثرة في كل مكان سواءً : السجون ودوّر الرعاية المرضى والعجزة والأيتام .. وكذلك موت كبار حكّام العالم في قصورهم .. عدا عن جثث الشحّاذين التي تراكمت اسفل الجسور ، وفي مناطقهم العشوائيّة .. وارتعب الجميع ان يكون وباءً عاماً اجتاح العالم ! 

فحصلت فوضى عارمة ، جعلت الناس تتجمّع امام المحال التجاريّة والعيادات الطبّية للإطمئنان على صحّتها !

^^^


في هذا الوقت ، كانت الحوريّة فخورة بعملها : 

- جيد جداً !! أبقيت فقط على الطيبين الأخيار والمخترعين الأذكياء ، والمبدعين في جميع مجالات الحياة .. والموهوبين عموماً .. والرياضيّون .. والمتديّنون الصالحون .. والآباء الرحماء ، والأولاد البارّين بأهلهم .. فهم فقط من يستحقون العيش على الأرض .. ترى كم نسبتهم بالنسبة لمن قتلتهم ؟ 


لتتفاجأ بأن نسبتهم لا تزيد عن 5 بالمئة !

- يا الهي ! لقد خلت الأرض من سكّانها .. (ثم شاهدت احوالهم من خلال الشاشة) ..لحظة ! مالذي يحصل هناك ؟ لما كل هذه الفوضى بعد قتليّ الأشرار ؟!


((ويبدو ان موت الناس المفاجىء اربك الطيبون الذين تحوّلوا للصوص ، بسرقتهم للمؤن الغذائيّة خوفاً من الجائحة المرضيّة الغامضة .. بل منهم من اصبح قاتلاً لحماية متجره من الحشود الهائجة !))

الحوريّة باستغراب : 

- ماذا يحصل ؟! لما تخلّوا عن ايمانهم وأخلاقهم بهذه السهولة؟!


وهنا شعرت بيدٍ قوية فوق كتفها ، لتنتفض بفزع بعد رؤية ملك الموت خلفها :

- عزرائيل !

- من سمح لك بدخول مكتبي ؟!


وقبل ان تجيبه ، شاهد النتائج على شاشته .. فصرخ غاضباً :

- بأيّ حقّ تسحبين ارواح الناس ؟!!

فأجابت بصوتٍ مرتجف : قمت فقط بحذف ملفّات الأشرار والتافهين..

مقاطعاً بعصبية : لست انتِ من تقرّرين ذلك !! كل شخص لديه وقتٌ محدّد للوفاة ، وطريقةً معينة لسحب روحه ، حسب التقرير المكتوب قبل ولادته.. هل انت سعيدة بالفوضى التي تسبّبتها على الأرض ؟!!

- انا حقاً لا افهم لما تحوّل الطيبون الى اشرار ؟!

- لأن ايّة مصيبة او كارثة ، تجعلهم ينحرفون عن الطريق المستقيم .. حتى الأشرار ، لديهم فرصة للتوبة والعودة لربهم .. النوايا هي شيءٌ خاص بين الربّ وعباده ، لا يحقّ لنا التدخل فيه


الحوريّة بحزن : اردّت فقط السلام العالمي ، وتحسين حياة الطيبين البائسة 

- الا تعلمين ان حياة الدنيا هي جنّة الأشرار وجحيم الصالحين ؟ هل ظننتي ان الجميع يدخلون الجنة ؟ الم تسمعي الآية : ((ولا يلقّاها الاّ الصابرون)) وهذا لن يحدث الا بعد معاناتهم من اشدّ المصائب التي تمتحن صبرهم وإيمانهم بالله 

- هل قلت ان الدنيا هي جنّة الأشرار ؟!

عزرائيل : هم سيُحرمون من نعيم الجنة الدائم .. فهل من العدل ان يُحرموا من نعيم الدنيا الذي بالعادة لا يستمرّ اكثر من اربعين سنة ، قبل ان تبدأ امراض الشيخوخة !

- ليتني فهمت ذلك قبل إفساد عملك !


فجلس يضغط على حاسوبه ، قبل ان يتنفّس الصعداء :

- الحمد الله ، لم تفسدي شيئاً .. فجميع الملفّات مازالت في Recycle Bin)) سأستعيدها من جديد

الحوريّة بقلق : لكن هذا سيصيبهم بالفزع ، بعد عودة الموتى للحياة !

- لا .. لأني سأعيد الزمن الى الوراء ، كأن شيئاً لم يكن


ثم شاهدا على الشاشة : إستيقاظ البشر صباحاً ، لبدء حياتهم الروتينيّة التي تعودوا عليها مع بقيّة الفاسدين على الأرض !


ثم نادى عزرائيل ، الملاك (المسؤول عن الحوريّات) : 

- أعيدها الى مهجع النساء ، وراقبها جيداً .. فهي فضوليّة للغاية

فقال الملاك للحوريّة بحزم : 

- هيا !! طيري امامي

^^^


وبعد ذهابهما .. نظر عزرائيل الى غزّة المُدمّرة من فوق : 

- ليتكم تسمعون ضحكات اهاليكم في الفردوس الأعلى التي يتردّد صداها في كل طبقات الجنة ، ويتنافس الملائكة على خدمتهم .. اما من بقيّ منكم على الأرض ، فمصيركم سيقسّم بين مجاهدين وشهداء ابطال .. الى ذلك الحين ، عليكم الصبر على خذلان العرب لكم .. كان الله في عونكم جميعاً

ثم اطفأ حاسوبه بعد انتهاء مهمّته لهذا اليوم !


الأربعاء، 30 أبريل 2025

الحبل المعقود

تأليف : امل شانوحة 

القدر المكتوب


ما ان دخلت العيادة حتى شعرت بشيءٍ غريب نحو الطبيب الوسيم ، ذوّ الكاريزما القوية والنظرة الثاقبة .. وهو يجلس بكامل اناقته خلف مكتبه ، كأنه رئيس شركةٍ ضخمة وليس عيادةً خاصة بالأنف والحنجرة والحساسيّة! 

فتجمّدت لدى الباب ، قبل ان تسمعه يقول :

- هل تريدين شيئاً يا آنسة ؟

فاستغربت من سؤاله ، فهي حجزت موعداً مع سكرتيرته قبل يومين!

فأجابت : اريد اجراء فحصاً للحساسيّة 


وفي البداية شعرت بعدم رغبته فحصها ! لكن ما ان ازالت كمّامتها ، حتى لمعت عينيه ..مُشيراً لها بالجلوس

المريضة : انا اضّطر لوضع الكمّامة مع بداية فصل الربيع ..وأظنني اعاني من حساسيّة حبوب اللقاح المُتطاير في الجوّ

- وماذا يحصل عند خروجك من المنزل ؟

- ليس فقط بالخارج .. حتى في منزلي ، رغم عدم فتحيّ النوافذ في اول اسبوعين من الربيع ..ومع ذلك اعطس باستمرار ، مع رشحٍ مزعج واحمرار العينين

الطبيب : وتريدن إجراء فحص الحساسيّة للتأكد من الأمر ؟

- نعم لوّ سمحت .. بالإضافة لفحص الحنجرة ..فأحياناً اشعر كأنها مسدودة بشيءٍ يُشبه الشعر

فرأته يحاول عدم الضحك..

المريضة : اعرف ما تفكّر فيه ، لست قطة ليمتلئ حلقي بالشعر ..لكن هذا ما أشعر به منذ سنوات.. حتى انني اجد صعوبة ببلع حبوب الأدويّة !

- اذاً إجلسي فوق السرير ..وسأضع انبوباً رفيعاً في فمك ، بنهايته كاميرا  صغيرة.. وسنشاهد معاً على الشاشة ، ان كان هناك شيئاً يسدّها بالفعل

- اذاً لوّ سمحت ، أعطني كيساً في حال شعرت بالتقيّوء

الطبيب : كما تشائين 


ثم نادى السكرتيرة لمساعدته .. والتي ما ان دخلت ، حتى قالت للمريضة باستغراب:

- لم اركِ تدخلين الى هنا ؟! 

المريضة : عفواً لم استأذنك ، لأنني اتيت على الموعد

السكرتيرة : لكن دكتورك لديه ..

وقبل إكمال كلامها ، أشار لها الطبيب بالصمت ! 

السكرتيرة : انت لديك اجتماع بعد قليل ! 

الطبيب : مازال هناك ساعة على موعدي .. رجاءً قفي بجانب المريضة ، وامنعيها التحرّك اثناء الفحص


وما ان ادخل الأنبوب ، حتى تغيّرت معالم وجهه وهو ينظر للشاشة امامه !

ثم اخرج الأنبوب على عجل ، مُتوجّهاً لمكتبه .. ليحضر جواله ويعطيه للسكرتيرة :

- اريدك تصوير ما سأفعله الآن.. وحاولي ان يكون الفيديو واضحاً

فخافت المريضة من كلامه : 

- عفواً دكتور ! هل هناك مشكلة ؟!

الطبيب بحزم : اريدك ان تغمضي عينيك.. ومهما شعرت بشيءٍ غريب يخرج من فمك ، رجاءً لا تنظري او تتحرّكي حتى اخبرك بذلك


بعدها ادخل شيئاً كالملقاط الحديديّ الطويل في فمها ، قبل سماعها شهقة السكرتيرة المنصدمة مما أخرجه من حنجرتها !

وعندما سمح لها بفتح عينيها .. كان حبلاً بطول المتر ، فيه سبع عقدٍ صغيرة !

وهنا قال الطبيب للسكرتيرة : 

- هل صوّرتي ذلك ؟

فردّت بصوتٍ مُرتجف : نعم دكتور !

ثم سألت المريضة :

- كيف استطعت بلع حبلٍ سميك وخشنٍ كهذا ؟!

المريضة بصدمة :

- بالطبع لم افعل ! فأنا اخبرت الطبيب بأنني لا استطيع بلع الأدوية الصغيرة ، فكيف بحبل !!


فسألت السكرتيرة الطبيب : 

- ما تفسيرك لحالتها ؟!

الطبيب : كنت شاهدت فيديو باليوتيوب عن حادثةٍ مشابهة .. وأظنه سحر !


خروج السحر على شكل حبلٍ من شعر !


المريضة والسكرتيرة بصدمة : ماذا !

الطبيب : أنظرا الى عقد الحبل 

السكرتيرة : وكيف وصل الى بطنها ؟!

الطبيب : عن طريق طعامٍ او شرابٍ مسحوريّن .. ليقوم الجن لاحقاً بتحويله الى حبلٍ مليء بعقد التعسير..

ثم سأل المريضة : 

- هل تشكّين بأحدٍ يكرهك لهذه الدرجة ؟!

المريضة بضيق : قبل عشرين سنة ، رفضّت خطبة قريبي ..فهدّدني بالعنوسة ! وهآقد وصلت للأربعين ولم اتزوج بعد .. وأظنه نجح في ذلك .. فحياتي مُعسّرة من جميع النواحي ، وليس فقط بموضوع الزواج !.. (ثم تنهّدت بضيق) ..والآن دكتور ، ماذا سأفعل بهذه المشكلة ؟!

الطبيب : سأنظّف الحبل بالمطهّر ، وأضعه بكيسٍ اسود .. وعليك أخذه لشيخٍ مُختصّ بفك السحر

المريضة : اذاً سأذهب للمحكمة الشرعيّة القريبة من هنا ..فهناك شيخٌ أعرفه ، خبير بهذه الأمور

السكرتيرة : كان الله في عونك !


وبعد وضعها كيس الحبل في حقيبتها ، أخرجت جوالها وهي تقول للطبيب:

- هل يمكنك ارسال الفيديو على جوالي ، كيّ يصدّق الشيخ ان الحبل المعقود خرج من فمي ؟

فأخذ رقم جوالها ، مُرسلا الفيديو الغريب .. وهو يتمنّى لها الفرج القريب

***


في المحكمة الشرعيّة ، تفاجأ الشيخ بالفيديو والحبل ! وطلب من موظفٍ لديه تصويره اثناء فكّه العقد ، كيّ يكون عبرة للآخرين (فهو ينوي الإحتفاظ بالفيديو ، بالإضافة لما صوّره الطبيب بالعيادة)


وبالفعل بدأ بتلاوة آياتٍ مُخصّصة لفكّ السحر ، أشعرت المريضة بالدوّار والغثيان.. ثم أخذ ينفخ سور المعوّذات على كل عقدة ، قبل فكّها.. وحين وصل للعقدة الأخيرة ، شعرت بألمٍ شديد في معدتها :

- رجاءً يا شيخ !! توقف عن القراءة ، فمعدتي تكاد تنفجر

الشيخ : هذا بسبب الجني العالق داخلك منذ عشرين سنة.. وهو يحاول الخروج قبل إحتراقه بالقرآن

المريضة بصدمة : أقلت عشرين سنة ؟! يعني شكوكي بقريبي صحيحة

الشيخ : وهل اسم خطيبك السابق هو فلان الفلاني ؟

المريضة : نعم ، هو ابن خالتي .. كيف عرفت ؟!

فنظر الشيخ اليها وإلى موظفه : 

- انتما لا تسمعان الجني ، لكنه يتحدّث معي الآن .. 

ثم قال لموظفه : تابع التصوير مهما حصل 


وبعد قراءته لبعض الآيات واشتداد الم معدتها ، صرخ الشيخ غاضباً: 

- خسئت ايها اللعين !!

المريضة بقلق : ماذا هناك ؟!

الشيخ : يريد الجني الخروج من عينك ، وهذا سيصيبك بالعمى ..لهذا سأظلّ اقرأ حتى يخرج من اصبع يدك 


وتابع القراءة الى أن صرخت بألم ، بعد انتفاخ اصبعها الصغير واسوداد طرفه :

- يا شيخ توقف !! فالألم لا يطاق ، كأني اضع اصبعي فوق الجمر

الشيخ : هل معك دبّوس ؟


فأخرجت دبوساً من طرحتها .. شكّ به إصبعها .. لينصدموا جميعاً بريحٍ ساخنة ، تخرج منها .. جعلت النافذة تُفتح بقوّة على مصراعيها!

وهنا تنهّد الشيخ بارتياح :

- الحمد الله على سلامتك ..خرج اللعين اخيراً ، والذي كاد ان يكسر نافذة مكتبي !

المريضة : والى اين ذهب ؟!

الشيخ : أخبرني انه ذاهب للإنتقام من قريبك الذي حبسه داخلك ، وحرمه من عائلته لعشرين سنة .. والآن عودي الى بيتك لترتاحي ، فقد انتهى تعسّر حياتك اخيراً

المريضة : رجاءً يا شيخ ، هل يمكنني الحصول على الفيديو ؟ اريد ان اريه لأهلي.. فلا أظنهم سيصدّقوا ما حصل معي اليوم !

وبالفعل حصلت على فيديو علاجها من السحر

***


وفور عودتها الى منزلها ، أخبرت عائلتها بما حصل .. مما اغضب امها التي نشرت الفيديوهيّن بجروب العائلة ، فاضحةً ابن اختها الذي تسبّب بوقف حال ابنتها لسنواتٍ طويلة.. 

فانهالت عليه الشتائم من كل الأقارب ، دون استطاعته نكران الأمر او الدفاع عن نفسه .. مما أجبره بالنهاية على الإنسحاب من الجروب!

^^^


بعد ساعتيّن ، ضجّ جروب العائلة بخبر وفاته بحادث سير بعد اصطدامه بعامود الإنارة ! 

ولم يفهم احد ما حصل ، الا هي (بعد ان اخبرها الشيخ بنيّة الجني الإنتقام منه) الذي يبدو انه ظهر له فجأة اثناء القيادة ، جعله يرتبك وينحرف بسيارته نحو الرصيف

^^^


قبل نومها تلك الليلة ، وهي تحمد ربها على انتهاء ازمتها الصحيّة (وعودة تنفّسها بشكلٍ طبيعيّ ، بعد ان كانت تشعر لسنوات ببلاطةٍ حجريّة فوق صدرها) رنّ جوالها ، لتجد رسالة من الدكتور :

((اعرف ان الوقت متأخر ، لكني لم استطع النوم قبل الإطمئنان عليك ..هل فككّتِ سحرك ؟))


فأرسلت له فيديو الشيخ ، وهي تقول :

- بحمد الله ، خرج الجني مني .. ويبدو انه انتقم من قريبي الذي مات اليوم بحادث سيرٍ مُفاجئ !

الطبيب بارتياح : الحمد الله على سلامتك


وكان المفترض ان ينتهي الحديث عند هذا الحدّ.. لكن الطبيب لم يكتفي بالرسائل الخطيّة ، بل اتصل للإطمئنان على صحّتها.. وأكمل محادثته ، الى ان سألها : ان كان لديها حبيب تتمنى الزواج به ، بعد انتهاء ازمتها ؟! 

وقد سمعته يتنفّس بارتياح ، بعد ان أخبرته أنها غير مرتبطة بأحد ! 

ثم بدأ يسألها اسئلةً فرعيّة : كمستوى تعليمها الجامعيّ ؟ وعدد افراد عائلتها ؟ وصولاً لبرجها وهواياتها ؟! 


ثم انتبه بمرور ساعة على محادثته معها ! فاعتذر عن مضايقتها ..

وأنهى المكالمة وهو يتمنى لها نومةً هادئة خالية من الكوابيس

***


لكنه عاد لمحادثتها بالليلة الثانية والثالثة ، حتى اعتادت على رسائله كل ليلة ! وكان واضحاً إنجذابه لها.. بالنهاية قال لها :

- اريد إخبارك الحقيقة ..فأنا لست دكتور حنجرة وحساسيّة

بصدمة : ماذا ؟!

- انا رئيس نقابة الأطبّاء .. وقدمت بزيارةٍ مفاجئة لصديقي ، وهو طبيبك الذي ألغى مواعيده ذلك اليوم ، لإجراء جراحةٍ مستعجلة.. وكنت على وشك الخروج من مكتبه ، لحضور اجتماعٍ هام مع مجموعة جرّاحين.. لكن بعد رؤيتك ، فضّلت البقاء .. وجيد انني فعلت

- ولماذا لم تخبرني بأخذ موعدٍ آخر ؟!

الطبيب : لأنك بعد إزالة كمّامتك ، شعرت أنني اعرفك .. وكأنك توأم روحي بالعالم الموازي ! حتى إجاباتك على اسئلتي بمحادثتنا الأولى لم استغربها ، كأني سمعتها من قبل ..

فردّت بخجل : بصراحة الشعور مُتبادل.. فنظرة عينيك الثاقبتيّن عندما رأيتك اول مرة خلف المكتب ، جعلتني اشعر كأني اعرفك من قبل ! فما تفسيرك لهذا الأمر ؟!

- أظنه القدر

- ماذا تقصد ؟

الطبيب : أفكّر بخطبتك ، فهل هناك مانع ؟ أقصد بما انني في منتصف الخمسينات

- وانا لست صغيرةً ايضاً .. وحتماً لن ارفض رئيس نقابة الأطبّاء ، مُحترماً وخلوقاً مثلك

- اذاً اتفقنا .. سآتي مع عائلتي بنهاية الأسبوع

***


وبالفعل تمّ الزواج دون عراقيل ! 

وفي إحدى الليالي ، قالت له :

- أتدري مالغريب في الموضوع ؟ قريبي سحرني عشرين سنة ، بنيّة عنوستي .. لكنه بالحقيقة ، جعلني بسحره أعاني من آلام الحنجرة والحساسيّة الدائمة.. وقد عاندّت لسنوات من فحص مشكلتي ، لكرهي للمستشفيات.. لكني بالنهاية رضخت لإلحاح عائلتي بعد ان ساءت حالتي.. وإذّ بالقدر يجمعني مع اروع زوجٍ في الدنيا !

زوجها الطبيب : سبحان الله !..((وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)).. فلا احد يستطيع تغيّر القدر


ثم حضنته بحنان .. وهي مُمتنّة لله بإنهاء أزمتها ، بعوضٍ خياليٍّ وساحر يليق بعظمته وجلاله  


الأحد، 27 أبريل 2025

جندي الحدود

تأليف : امل شانوحة 

 

المهمّة الصعبة


اثناء وقوف الجندي (الثلاثيني) بجانب كوخه الحديديّ على الحدود الفاصلة بين الدولتيّن ، مسح فمه الملي بالدماء بسبب اصطكاك اسنانه من شدّة البرد مع بدء العاصفة الثلجيّة.. وكان يشعر ايضاً بالجوع والإرهاق ، حين سمع سائق شاحنة نقل (ستيني) يناديه من بعيد : 

- ايها الجندي !! إن كنت جائعاً ، فتعال الى بيتي .. هو لا يبعد كثيراً عن هنا 

الجندي بصوتٍ مرتفع : لا يمكنني ترك مكان الحراسة !!

- لن يلاحظ احد غيابك بهذه العاصفة الثلجيّة

- سأُطرد من عملي إن لم يجدني الضابط في مكاني

العجوز : لن يترك مكتبه الدافئ للإطمنان عليك بهذا البرد القارص .. هيا تعال لتذوّق طعام زوجتي اللذيذ 


فرضخ الجندي لدعوة السائق بعد اشتداد العاصفة ، خاصة بأن الشمس على وشك المغيب

***


وفي الكوخ الذي يبعد نصف كيلو عن مركز تفتيش الحدود.. جلس الشاب في الصالة امام المدفأة ، حين قدمت زوجة العجوز (الخمسينيّة) ومعها شوربة ساخنة :

- خذّ يا بنيّ ، إدفئ معدتك


وكانت هذه اول وجبة ساخنة له منذ ايام ، فهو اعتاد على الشطائر الباردة التي احياناً ينسون إرسالها (مع احد الجنود) لساعاتٍ طويلة !

^^^


وبعد انهاء شوربته .. قالت السيدة : 

- ستنتهي طبخة الفاصولياء بعد قليل..ما رأيك لوّ تستحم ، كيّ اغسل ملابسك ؟

الجندي بإحراج : لم استحمّ منذ اسبوعين ، ولم أُحضر معي غيارات

- انت نحيف كزوجي ، سأعطيك بيجاما من عنده .. اما زيّك العسكري ، فستجفّفه نشّافتي الكهربائيّة خلال ساعة 

العجوز : هيا يا بنيّ .. إستحمّ ، فالمياه ساخنة

^^^


وبعد نصف ساعة ، خرج من الحمام لتناول العشاء معهما ..

الجندي : والله يا عمّ ، أجمل دشّ في حياتي .. فأنا لم أحظى بمياهٍ ساخنة منذ التحاقي بالجيش !

العجوز : اذاً تناول طعامك ، فزوجتي تهتم الآن بغسل ملابسك 

^^^


بعد ساعة.. وضع له العجوز فراشاً صوفيّاً امام المدفأة مع بطانيّة سميكة ..

الجندي : لا ادري حقاً كيف أشكركما ، فأنا لم اشعر بهذا الحنان من قبل ! 

السيدة بقلق : هل كان والداك قاسيّن عليك ؟!  

فتنهّد الجندي بحزن : 

- انا يتيم .. اوّ بالأصحّ لقيط .. وجدوني مرميّاً فوق الثلوج ! وعشت 18 سنة بالميتم ، قبل ان يجبروني على تركه .. فأصبحت مُشرّداً بالشوارع لسنتيّن ، الى ان وجدت إعلاناً للإلتحاق بالجيش.. فسجّلت لديهم ، لتوفير السكن والمأكل .. وبعد سنة من تخرّجي ، ارسلوني الى الحدود .. والله يا عمّ اوشكت على الجنون لبقائي وحدي ، وصرت أكلّم نفسي لساعاتٍ طويلة ! 


العجوز : الا يوجد من يساعدك بالعمل ؟! 

- هناك ضابط ومساعديه ، يأتون من وقتٍ لآخر للإطمئنان على سلامة الحدود

السيدة : ومنذ متى وانت هنا ؟!

الجندي : شهران تقريباً .. والغريب انني لم ارى منزلكما من قبل ؟!

السيدة : هو مُخفي خلف التلّ الصغير

العجوز : إخبرنا عن اهميّة عملك ؟ 


الجندي : للآن مسكت إثنين : احدهما سائق شاحنة مخدّرات.. ولولا لطف ربي لقتلني بسلاحه.. والثاني : مُهاجر غير شرعي.. وحالياً موقوفان بمركز الشرطة.. ونجاحي بتلك المهمّتيّن أشعرني بالفخر ، لخدمة بلادي .. فالضابط اخبرني انه مهما اشتدّت الظروف ، فواجبي هو خدمة الوطن .. وسأفعل ذلك حتى نهاية السنة .. بعدها يستبدلونني بجندي آخر ، حسب اقوال ضابطي !  

ثم بدأ بحكّ قدميه بألم .. 

السيدة : لاحظت إحمرار اصابعك 

الجندي : الحذاء ضيقٌ للغاية ، وأحدهما ممزّق .. لذلك شعرت ببرودة الثلج 

فوقفت السيدة وهي تقول : 

- سأحضر مرهماً وجوارب سميكة .. 

- سلمتي يا خالة 


العجوز : كان الله في عونك يا بنيّ ، فمهمّتك صعبة للغاية !

الجندي بضيق : ماذا افعل ؟ هذا قدري .. ربما ولدّت بالثلج ، وسأموت من البرد ايضاً !

- لا تقل هذا ، فمنزلي موجوداً لخدمتك .. متى شعرت برغبة للإستحمام او احسّست بالجوع او اردّت مكاناً دافئاً للنوم ، فتعال الى هنا .. فأنا عملي هو نقل البضائع بين الدولتيّن ، وأقلق كثيراً من بقاء زوجتي وحدها في المنزل .. 


وهنا سمعته زوجته .. فقالت وهي تعطي الدواء والجوارب للشاب :

- هذا صحيح ، تعال الينا متى شئت .. فأنت بمقام ابني المرحوم

الجندي بدهشة : متى توفيّ ؟!

العجوز بحزن : كان بمثل عمرك ، وتوفيّ بحادث سير قبل سنتيّن .. ومن وقتها نعيش وحدنا بهذا المنزل الذي بنيناه بأنفسنا

الجندي : لكنه بعيد عن المحال التجاريّة !

السيدة : لا تقلق ، لديّ مؤونة غذائية تكفينا لفصل الشتاء 

الجندي : وماذا عن الحيوانات البرّية ؟

العجوز : وضعنا مصائد حول المنزل ، كفيلة بإبعاد الدببة والثعالب عنا  

السيدة : نحن تعوّدنا على الحياة الصعبة .. لكن انت ! مازلت شاباً ، وعليك الزواج وبناء عائلة

الجندي بقهر : اساساً لم اشعر بدفء العائلة الا معكما

 

ولم يُنهي جملته ، حتى حضنته السيدة بحنان ! جعلته ينهار ببكاءٍ مرير ، كأنه كتم مشاعر الإحباط والحزن طوال حياته .. فهي المرة الأولى التي شعر بها بمحبّة الأم ! بينما العجوز يراقبهما بعيونٍ دامعة ، وهو يشعر بالأسى عليه 

^^^


وبعد ساعة .. تركاه في فراشه امام المدفأة ، ليحظى بأجمل نومة في حياته : نظيفاً وشبعاً ..ودافئاً من الخارج ، ومن الداخل ايضاً بعد شعوره باهتمام وحب العائلة لأول مرة منذ ولادته التعيسة !

***


في صباح اليوم التالي .. نظر الضابط الى جثة الجندي المُتجمّدة (فوق كرسيه بكوخه الحديديّ) وعلى وجهه ابتسامةً عريضة ! 

ليسمع مساعده يقول باستغراب : 

- يبدو انه شاهد مناماً رائعاً قبل موته !

الضابط : هو بطل ، لم يترك مكانه رغم العاصفة الثلجيّة 

 

ثم طلب من مساعديّه دفن الجثة .. ثم أدّوا التحيّة العسكريّة له ، قبل عودتهم الى مركزهم الدافئ الذي يبعد عدة كيلومترات عن الحدود  

^^^


وهناك اتصل الضابط بالمركز ، طالباً إرسال جندياً آخر الى الحدود .. وختم كلامه بالقول :  

- ولا تنسوا ان يكون مقطوعاً من شجرة .. ففصل الشتاء عندنا قارصٌ للغاية ، لهذا لا نريد إزعاجاً من الأهالي بمهمّة ابنهم الإنتحاريّة


وبعد إنهاء الإتصال ، تساءل الضابط في نفسه امام مدفأته الكهربائيّة:

((تُرى مالذي شاهده الجندي البائس في منامه ، جعله يموت مُبتسماً لهذه الدرجة؟!))


الجمعة، 25 أبريل 2025

الهاربة من العار

تأليف : امل شانوحة 

الموهبة الملعونة


في حديقة قصرٍ فخم بتركيا .. إستراح الممثلون بنهاية تصويرهم للمشاهد اليوميّة من مسلّسلهم الرومانسي الذي حصل على اعلى نسبة مشاهدة بموسمه الأول ، حينما اعلن المخرج عن قدوم كاتبة القصة (ريم) للسلام عليهم ، والتي لم يروها من قبل ! وهي كاتبة عربية تعيش في اميركا منذ سنوات


ليجدوها مُحجّبة دون مكياج ، وبدينة بعض الشيء ! ومع ذلك تتمتّع بجمال وجهها وبراءتها الطاغية ، رغم تجاوزها الثلاثين .. وايضاً شعروا بعفويّتها وضحكتها القريبة من القلب ، كأنهم يعرفونها منذ زمن ! 

كما فهموا سبب إشتراطها : خلوّ مسلّسلها من القبلات والألفاظ القذرة او الملابس الفاضحة ، كونها مُلتزمة دينيّاً .. فحلقات مسلّسلها أظهرت الحب بأسمى صوره : من احترامٍ وثقة ، وحنانٍ مُتبادل بين البطليّن


واثناء زيارتها العابرة .. توجّهت نحو طاولتهم (في الحديقة) ام تحمل طفلتها الرضيعة وإبنها البكر ٥ سنوات (المشاركان في المسلّسل بموسمه الثاني) بعد إطعامهما في مطبخ القصر .. 


وما ان اقتربت الأم من ريم .. حتى تفاجأت بترك ابنها يدها ، وارتمائه بحضن الكاتبة ، وسط دهشة الجميع ! 

فسأل المخرج ام الطفل : هل كاتبتنا تُشبه احداً من اقارب الصبيّ ؟!

الأم بدهشة : لا ! وهذا ما استغربه .. فأنتم تعرفون ابني جيداً .. هو لا يندمج بسهولة مع الغرباء ! وقد واجهنا هذه المشكلة بحلقاته الأولى بالمسلّسل

فقال المصوّر : هذا صحيح .. فرغم انه معنا منذ عشرين حلقة ، الا انه مازال يمنعني حمله او الإقتراب منه ! 


وعندما حاولت الأم إبعاد ابنها عن ريم ، وجدت طفلتها (التي تحملها) تمدّ يديها نحو الكاتبة ، كيّ تحملها ايضاً !

فأمسكت ريم بالطفلة ، بينما يصرّ اخوها البقاء في حضنها 

الأم باستغراب : ولدايّ أحبّاك بالفعل ! 

ريم بابتسامة : الأطفال يتجمّعون حولي في الأونة الأخيرة ، كأني مغناطيساً لهم.. ولا ادري ما السبب ! 

المخرج : هذا من طيبة قلبك ، فالأطفال يميّزون الطيّب من الخبيث

المصوّر ممازحاً : على هذه الحال ، يبدو انني من الشياطين

فضحك الجميع ..


فتابعت الكاتبة حديثها معهم ، والطفلان هادئان في حضنها .. وبعد ان أفهمتهم تصوّرها العام عن مسلّسلها ، ودّعتهم للذهاب الى الفندق .. لكن الصبي انفجر بالبكاء ، رافضاً الإبتعاد عنها.. وكذلك الطفلة التي لم ترغب العودة لأمها! 

الأم : لقد حلّ المساء وعليّ تنويم الطفلة اولاً ، ثم اخوها .. فكلاهما مُستيقظيّن باكراً

الولد مُعترضاً : لن انام الآن !! اريد اللعب بالأرجوحة 

 

فوافقت الأم على طلبه .. فأمسك الصغير يد الكاتبة :

- الأرجوحة كبيرة ، تعالي واستلقي بجانبي .. واخبريني قصةً جميلة

فابتسمت ريم : حسناً سأفعل ، لكن دعني أنوّم اختك اولاً .. إن سمحت امك بذلك 


فوافقت الأم .. لتحمل ريم الطفلة الى داخل القصر .. وتجلس على الكرسي الهزّاز في شرفة الصالة ..


فقال احد الممثلين : ليتنا نسمع ما تغنيه للطفلة ، فلديّ فضول لمعرفة اغنية النوم الخاصة بالعرب 

فقال حامل عصا الصوت (ميكروفون البووم الطويل) : دعوا الموضوع لي 


ووقف خفيّةً خلف كرسيها الهزّاز ، بعد مدّه عصا الميكروفون فوقها .. ليسمع كل من في الحديقة ، صوتها العذب اثناء تنوّيمها الطفلة 

^^^


وبعد ثلاثة اغاني خاصة للأطفال ، نامت الصغيرة بهدوء .. فسلّمتها لأمها .. ثم خرجت للحديقة ، لتُفاجأ بادّعاء طاقم التصوير والممثلين النوم فوق كراسيهم ! 

فضحكت ريم : لا ! مستحيل ان تكونوا سمعتموني ، فقد غنيّت بصوتٍ منخفض

فلوّح عامل الصوت بالعصا مبتسماً ..

ريم بخجل : سامحك الله يا رجل !


فقال مهندس الإضاءة : وانا ترجمت لهم كلمات الأغنية .. فأنا عربي مثلك ، ومن بلدك ايضاً 

ريم بدهشة : لم اكن اعلم ! اهلاً وسهلاً بإبن بلادي 

فردّ عليها : ما شاء الله ، صوتك جميلٌ للغاية .. ذكّرتني بفنّانةٍ قديمة ، لكني نسيت اسمها !

فابتسمت على مضضّ ، وكأن كلامه ضايقها ! بل وأربكها ، لدرجة انها أخرجت جوالها وهي تقول لهم :

- سأتصل بالسائق لأخذي للفندق


فناداها الصغير المستلقي في الأرجوحة :

- هيا خالتي !! انت وعدّتني بقصةٍ جميلة

ريم : آه نسيت ذلك !

المخرج : لقد حلّ المساء .. إبقي هنا ، وغداً تذهبين

الأم : رجاءً إبقي معنا .. فلوّ استيقظ ابني غداً دون ان يراك ، سينفجر بالبكاء

ريم : حسناً ، سأبقى لليلةٍ واحدة .. لكن عليّ الإتصال بصديقتي ، فهي قدمت معي من اميركا وتنتظرني بالفندق

^^^


وأعطتها الأم بيجاما طويلة الأكمام .. بينما أبقت ريم على حجابها ، وهي تحاول تنويم الصبي معها على الأرجوحة.. وما ان انهت قصة الأطفال ، حتى غفى الصغير فوق صدرها .. وكانت القصة رائعة ، لدرجة ان الممثلين فضّلوا البقاء في الحديقة لسماعها !


وقبل محاولة ريم الخروج من الأرجوحة (دون إيقاظ الصغير) تفاجأت بقطّة القصر تحمل صغيرها بفمها ، وتقفز نحوها .. لتستلقيان على حضنها!

فقالت ريم للجميع من بعيد : 

- يبدو عليّ فتح حضانة للأطفال والحيوانات معاً !


وقبل مناقشتها في الموضوع ، سمعوا احدهم يخرج من القصر وهو يقول للمخرج : 

- كنت أنظّف قفص العصفور ، فهرب دون انتباهي من النافذة 

المخرج معاتباً : هذا العصفور هو هديّة البطل للبطلة ، وعلينا تصويره بمشهد الغد .. وانت تعرف انني أحضرته من المدينة ، لأنه لا يوجد محلّ للطيور في القرية


وقبل إكمال كلامه ، سمعوا ريم تنادي من بعيد :

- أهذا عصفوركم ؟!!

وكان يقف على رأسها !

المخرج : نعم هو .. رجاءً إمسكيه قبل ان يطير مجدّداً .. وانتبهي ان تهجم القطة عليه  


فأمسكته ريم بسهولة ، ووضعته قرب القطة التي صارت تنظفه بلسانها ، كأنه إبنها (النائم بجانبها)

المخرج معاتباً : آنسة ريم !! انت كتبت مشهديّن لهذا العصفور ، رجاءً لا نريدها ان تأكله قبل انتهاء دوّره في المسلّسل 

ريم بثقة : لا تقلق ، الحيوانات تصبح أليفة بجانبي 


وقبل توضيح كلامها .. سمعوا صراخ عامل الزريبة (القريبة من القصر) وهو يناديهم :

- أوقفوا الحصان المجنون !!


فابتعدوا جميعاً عن الحصان الهائج الذي توقف فور رؤيته ريم ! ثم اقترب من ارجوحتها بهدوء ، سامحاً لها تمسيد شعره بحنان وهي تسأله :

- هل هربت من الزريبة لرؤيتي ؟ 

فهزّ الحصان رأسه ، كأنه موافق على كلامها !

ريم : وانا ايضاً احبك .. لكن عليك العودة الى زريبتك ، فنحن بحاجة اليك بالمسلّسل

فإذّ بالحصان يذهب طواعيّةً مع العامل الذي امسك لجامه لإعادته للزريبة ، وسط دهشة الجميع !


وهنا قطعت ريم صمتهم ، ممازحة :

- بقيّت غزالة وأرنبان ، وأصبح سنوّوايت

المخرج : غريبٌ فعلاً ! لما الأطفال والحيوانات يحبونك من النظرة الأولى؟! 


لكن ريم لم تجيبه ، بل نهضت بهدوء من الأرجوحة وهي تحمل الصبيّ النائم .. تاركةً القطة وإبنها نائميّن بهدوء هناك .. والعصفور يحلّق فوقها 


وهنا سارعت الأم بأخذ ابنها ، لتنويمه بجانب اخته (بالغرفة المخصّصة لهم بالقصر) 

ثم رفعت ريم اصبعها ، ليقف العصفور عليه .. واقتربت من العامل وهي تقول :

- رجاءً أعده الى قفصه .. (ثم نظرت للجميع).. والآن اعتذر منكم ، فأنا قادمة من السفر ومتعبة للغاية .. سأنام بغرفة الضيوف .. وغداً أودّع الطفليّن ، وأعود للفندق .. تصبحون على خير  

***


في اليوم التالي .. ذهبت ريم للسوق باكراً ، لإحضار لعبتيّن للصغيريّن قبل توديعهما .. واثناء فطور الممثلين وطاقم التصوير بالصالة ، قدمت صديقتها للسؤال عنها .. فأخبروها أن عليها إنتظار عودتها


ثم سألها المخرج عن سبب عشق الأطفال والحيوانات لريم ؟! 

فأجابت صديقتها : ربما هو تعويضاً لصبرها على ذلك الشيطان ، عجّل الله بموته

فلم يفهموا قصدها !

فأكملت قائلة : هي ستغضب مني ان اخبرتكم الحقيقة .. لذا فليبقى سرّاً بيننا


ثم توجّهت لتلفاز الصالة ، التي حوّلت شاشته الى اليوتيوب.. وقبل عرضها الفيديو ، قالت لهم :

- رجاءً لا تخبروها بفضحي سرّها ، وإلاّ ستنتهي صداقتنا.. فإسم ريم الحقيقي هو زمرّدة التي اشتهرت قبل عشر سنوات من خلال فيديو كليب واحد والأخير لها

فصُدم الجميع بأن ريم المُحجّبة الخجولة هي بالأصل مُغنية !

فأكملت صديقتها : سأريكم الفيديو كليب الذي وصل عدد مشاهداته اليوم الى ١٠٠ مليون .. ثم اخبركم لما تركت الفن بعد وصولها للقمّة من اغنيةٍ واحدة


وعرضت الفيديو .. ليتفاجأوا بجمال ريم الخلاّب وجسمها الرشيق ، وعفوّيتها بالرقص مع صوتها العذب الأخّاذ ! ورغم ان الأغنية بالعربي الا ان الممثلين الأتراك طربوا من لحنه الجميل الراقص ! 


وبعد انتهاء الفيديو ، سألتها بطلة المسلّسل :

- ولما تخلّت ريم .. أقصد زمرّدة عن شهرتها بهذه السرعة ؟!

فعرضت صديقة ريم على التلفاز ، صورة لرجلٍ عجوزٍ قبيح .. قائلةً بضيق :

- بسبب هذا اللعين !! فهو رئيس المخابرات في بلدنا ، وذوّ سمعةً سيئة .. فهو يلاحق الفنّانات والمشهورات على التواصل الإجتماعي ، للحصول على علاقةٍ عابرة مقابل آلاف الدورلات .. وقد عرض على زمرّدة : إعطاء ثقلها ذهباً ! فرفضت طلبه .. فهي من عائلةٍ محافظة ، رفضوا دخولها الفن منذ البداية .. لكنه لم يقبل رفضها ، وهدّدها بقتل كل معارفها ! 

المخرج بقلق : هو رجل دولة ، هل يعقل ان يرتكب جريمة لمتعته الشخصيّة ؟!


فردّت بحزن : هذا الملعون يخافه الجميع ، حتى رئيس الحكومة ! وهو بالفعل متورّط بمقتل فنانتيّن ، وتشويه اخرى بالأسيد ! لهذا هربت زمرّدة مع اهلها ليلاً ، عن طريق البحر .. وعندما وصلت لأميركا ، دفعت ما ربحته من الأغنية ، لتغيّر اسمها واسم عائلتها.. وقد أحدث إختفائها المفاجئ عن الساحة الفنّية بلبلةً إعلاميّة ضخمة ، فالجميع طالب بعودتها بعد عشقهم لأغنيتها الناجحة .. لكنها التزمت منزلها بالغربة ، حيث أكملت تعليمها على الإنترنت .. وبعدها أخبرتني انها تعرّفت على شابٍ خلوق ، كان حبها الأول .. وللأسف قبل عرسها بأيام ، وجدوه مقتولاً بظروفٍ غامضة .. ولم يجد المحقق سوى ورقة قرب جثته ، مكتوباً بالعربي ((هذا جزاء رفضك لي)) ..لكنها لم تخبر المحقق بشيء ، خوفاً ان يعرف اللعين اسمها الجديد .. وبعد العزاء ، إنتقلت لمدينةٍ امريكيّة اخرى .. حيث تعمّدت الأكل بشراهة لتشويه جمال جسدها.. كما تحجبت ، والتزمت منزلها لسنوات بعد صدمتها بمقتل حبيبها بسببها ! .. وقبل سنتيّن .. اعلن رئيس المخابرات المتقاعد توّبته من خلال تصوير عمرته للبيت الحرام على كرسيه المتحرّك ، بعد إصابته بشللٍ نصفيّ بحادث سير ! فتنفّس اهل زمرّدة الصعداء وعادوا الى بلادهم.. لكن زمرّدة .. أقصد ريم قرّرت القدوم الى تركيا ، لعرض قصّتها التي ألّفتها اثناء عزلتها .. والتي تخيّلت فيها حياتها الجميلة مع عريسها المرحوم ! لهذا نجح مسلّسلكم بموسمه الأول ، لصدق مشاعرها بالقصة


فسألها بطل المسلّسل : الا تنوي ريم العودة الى بلدها ؟!

فأجابته : قالت لي بأنها ستعود عندما يموت اللعين ، فهي لا تصدّق توّبته! 

المخرج : يبدو ان الله عاقبه بالشلّل على ما فعله بفنّاناتكم !

صديقة ريم : هو يستحق اكثر من ذلك ، فهو حرمها الزواج وبناء اسرة .. لذلك عوّضها الله بمحبّة الأطفال والحيوانات .. فهي عاشت الأمرّين في الغربة بعد خسارة حبيبها ، وتخلّيها عن موهبتها المميزة التي كانت ستوصلها لقمّة الشهرة والثراء .. ومع ذلك فضّلت الحفاظ على دينها وشرفها وسمعة عائلتها.. لذلك يعشقها الأبرياء الطاهرين ، فهي تشابههم بنقاوة القلب والضمير !


وهنا سمعوا فتحة الباب الخارجيّ للقصر مع صرخة الصغير بحماس :

- خالتي ريم وصلت !!

فأشارت صديقتها للجميع (بأصبعها على فمها) بكتمان السرّ الذي أخبرتهم عنه..


وبعد تقديم ريم الهدايا للصغيريّن ، ودّعت الجميع قبل عودتها القريبة لأميركا.. على امل رؤيتهم بالحلقة الأخيرة من الموسم الأخير .. ثم انتظرت صديقتها في السيارة 


فأوقف مهندس الإضاءة (العربي) صديقة ريم جانباً ، وسألها بصوتٍ منخفض :

- عفواً قبل ذهابك ، هل تخبريني بعنوانكما الحاليّ ؟ فقريبي يعمل بأحد فنادق المنطقة .. فإن كان نفس الفندق الذي تنزل فيه الآنسة ريم ، وصيّته الإهتمام بكما

فأخبرته صديقتها بإسم الفندق..


وعاد الجميع الى عمله وهم يشعرون بالأسى على الحياة الصعبة التي واجهتها ريم بمفردها.. دون ان يكون بمقدورهم تخفيف همومها ، بعد ان وعدوا صديقتها بكتمان السرّ !

***


في نفس الليلة .. أجرى مهندس الإضاءة عدّة إتصالات ، حتى وصل اخيراً الى مراده .. ليسمع صوت العجوز الأجشّ ، يسأله بضيق : 

- مساعدي أخبرني بإصرارك على التحدّث معي شخصيّاً !

فسأله المهندس بخبث : 

- سيدي ، هل مازال عرضك القديم قائماً بشأن غزالتك الشاردة؟

فردّ العجوز (الذي لم يكن سوى رئيس المخابرات المتقاعد المشلول) بسعادة : 

- أتقصد زمرّدة ؟!

- نعم سيدي 

العجوز بحماس : وبأيّ منطقةٍ امريكيّة تعيش الآن ؟

- هي حالياً في تركيا ، ومن دون اهلها.. لكن عليك الإسراع ، فهي ستعود الى واشنطن بنهاية الإسبوع

- أعطني عنوانها بالحال ؟


المهندس بمكر : أولاً إرسل قاتلك المأجور الى المطار مع حقيبة المليون دولار ، فهي جائزتك التي اعلنت عنها سابقاً .. وأعدك أخذه بنفسي للفندق الذي تنزل فيه المحروسة

- ايها الطمّاع ! .. (ثم فكّر قليلاً).. لا ، غيّرت رأيّ .. لن ارسل قاتلاً مأجوراً ، بل من يخطفها ويعيدها اليّ .. فأنا لم أشفي غليلي من تمرّدها عليّ

- وماذا عن توبتك التي اعلنت عنها بعد شللك ؟.. اعتذر سيدي ، لم اقصد الإهانة

العجوز بغيظ : انا تبت عن كل المعاصي الا الإنتقام من تلك الصعلوقة التي كسرت كلامي ، وصغّرتني في الساحة الفنّية التي سيّطرت عليها لعقود ! لهذا سأنشر فيديو لرجالي وهم يعتدون عليها بجميع وسائل التواصل الإجتماعي ، لتكون عبرة للجميع

- أوصل مكافأتي اولاً .. وستكون لك ، لتفعل بها ما تشاء.. سلام

- لحظة !! قبل ان تغلق.. كيف كشفت مكانها ؟! 


المهندس : بالحقيقة لم اعرفها حين رأيتها اول مرة ، فهي غيّرت اسمها لريم .. كما تعمّدت تشويه جمالها بالبدانة ، وإهمال بشرتها .. لذلك لا تنتظر ان تكون فاتنة كما كانت

- المهم ان أحطّم روحها ، كما حطّمت كبريائي !! .. ثم لم تخبرني بعد كيف وجدتها ، بينما عجزّ رجالي عن ذلك ؟!

- بالصدفة سيدي .. فأنا اعمل مع طاقم تصوير مسلّسلها ، بعد ان وجّهت موهبتها الى تأليف القصص.. وصديقتها الغبيّة فضحت سرّها.. والآن سأغلق المكالمة.. بانتظار فيديو موتها بفارغ الصبر

العجوز : سأحرص ان يكون ببطءٍ وألمٍ شديديّن !! 


وانفجر ضاحكاً ، لنيل مراده الخبيث بعد طول انتظار ! 


الاثنين، 21 أبريل 2025

مسابقة الحب العذري

تأليف : امل شانوحة 

الفائزان بالجائزة


إعلان بوسائل التواصل الإجتماعي جذب الصبايا والشباب الأجانب ، رغم صعوبة شروط المسابقة وهي : ان تكون اعمارهم بين ٢٢ و ٣٥ سنة.. مع إلزاميّة اجراء فحصٍ طبّي يؤكّد خلوّهم من الأمراض ، بالإضافة لعفّتهم وطهارتهم الجسديّة.. كما يُشترط عدم زواجهم او ارتباطهم بعلاقاتٍ اخرى .. مع تمتّعهم بالجمال والجاذبيّة ، والشهادة العلميّة.. 

ولأن هذه الشروط تعتبر تعجيزيّة في بلدٍ اوروبيّ ، تمّ نقل المسابقة لمنطقةٍ ريفيّة التي مازالت العائلات فيها تهتم بأخلاقيّات ابنائها. .


وقد نجح المُنتج الثريّ بجمع خمسة صبايا وخمسة شباب (عذارى) في برنامجه الواقعيّ الذي سيُنقل يوميّاته مباشرةً على التلفاز الوطني .. والذين تعرّفوا على بعضهم في اليوم الأول بالمزرعة الضخمة التي استأجرها الثريّ خصيصاً للبرنامج.. 


وهناك أخبرهم نائبه (مدير المسابقة) بشروط البرنامج  

اولاً : إلباسهم ثياباً ريفيّة تناسب عملهم بالمزرعة .. لهذا منعوا من إحضار ملابسهم القصيرة او بناطيلهم الممزّقة (بالموضة الدارجة) او ادوات الزينة (المكياج للصبايا)

وثانياً : إلزامهم بوضع طوقٍ حديديّ في رقابهم ، يسمح لمُعدّي البرنامج بصعقهم كهربائياً (ألمٍ محمول) في حال نطقوا بألفاظٍ جارحة او بذيئة ، او حاولوا التلامس بشكلٍ غير لائق ..وإن تكرّرت مخالفاتهم ، يُطردون من البرنامج (المناسب لجميع افراد العائلة)


فسألت إحدى الصبايا المدير :

- لم نفهم بعد غرضكم من البرنامج ؟!

فأجابها : مُنتجنا يطمح بإنجاح الحبّ العذري بينكم .. فمع عيشكم سويّاً داخل المزرعة وقيامكم بالأعمال المرهقة : كالإعتناء بالمواشي والمزروعات ، ستنشأ روابط صداقة بينكم ، ربما تطوّر الى عشق خلال الشهور الثلاثة المُخصّصة للبرنامج

الصبيّة : اذاً هو برنامجٌ رومانسيّ ؟!

المدير : نعم ..لكن ليس بالمفهوم الحديث ، بل بمبادئه القديمة

- ماذا تقصد ؟!

- مع الأيام ستتعرّضون لضغوطاتٍ جسديّة ونفسيّة ، لاختبار حبكم وإخلاصكم لبعض .. والنتيجة : امّا إنهيار العلاقة الحديثة ، او زيادة قوّتها .. ومن يصل للنهائي دون إتصالٍ جسديّ مُخلّ بالأخلاق العامة ، سيُكافأ بعرسٍ اسطوريّ يُنقل مباشرةً على وسائل التواصل الإجتماعي ، بالإضافة لمنزلٍ مُجهزٍ بالكامل للعريسيّن


فقال احد الشباب : ربما ينتهي البرنامج بخمسة اعراس ؟

المدير : لست متفائلاً مثلك ، فالضغوطات المُقرّرة بالبرنامج لا يمكن لأيّ شخصٍ تحمّلها.. فهل انتم مستعدوّن لها ؟!!

فأجابوه بالموافقة ..

المدير : حسناً !! غرفة البنات المشتركة ستكون بأعلى منزلكم الخشبيّ ، بينما الشباب بالقبوّ .. وستتشاركون المطبخ ، بالإضافة للزريبة والمزرعة .. مع العلم بوجود كاميرات في كل زاوية من ارجاء المزرعة المُسيّجة بالأسلاك الكهربائيّة

الشاب : لا تقلق ..لن نهرب من هذا المكان الساحر ، خصوصاً مع جائزتكم الضخمة  

المدير : الأسلاك موضوعة ايضاً ، لمنع المُعجبين من إقتحام المزرعة.. فأنتم حينما تخرجون من هنا ، ستتفاجأون بأعداد المشاهدين بالخارج .. لكنكم لن تعلموا ذلك طوال مكوثكم هنا ، بعد منعنا الجوّالات والتلفاز او حتى التواصل مع اهلكم وأصدقائكم .. والآن انطلقوا لاستكتشاف المكان ، فغداً تبدأ اعمالكم المُرهقة

^^^


فانطلقوا بحماس لغرفتيّ النوم ، لاختيار سرائرهم وخزائنهم المليئة بالملابس الريفيّة.. ثم توزّعوا في ارجاء المزرعة الضخمة ، والزريبة التي اشمئزت من رائحتها بعض الصبايا (القادمات من المدينة) والتي سيُجبرن على العمل فيها منذ صباح الغد


وبعد تناولهم الطعام الذي تشاركوا في إعداده بالمطبخ.. ذهب كل واحدٍ الى سريره ، بانتظار بدء البرنامج الريفيّ الذي يُعدّ الأضخم إنتاجاً لهذا العام

***


منذ اليوم الاول ، ظهرت شخصيّة جاك القياديّة اثناء تقسيمه الأعمال على زملائه.. فاعترض احدهم باشمئزاز :

- لما عليّ العمل بالزريبة القذرة ، بينما تعمل حضرتك بالحقل؟!

جاك : لا تقلق ، الأعمال ستتبدّل بيننا كل يوم.. وربما بعد اسبوعيّن من بقائنا هنا ، ستظهر مهارة كل واحدٍ منا.. حينها أضع كل شخصٍ في المكان الذي يُجيده

شابٌ آخر بضيق : تتكلّم وكأنك قائدنا !

جاك بحزم : إسمعني جيداً .. انا واحدٌ منكم.. لست عدوّكم ، ولا صديق لأحدٍ منكم .. كل ما في الأمر انني شابٌ ريفيّ ، بعكس أكثريّتكم القادم من المدينة .. ومن خبرتي بهذا المجال ، استطيع فرزكم حسب قوّتكم الجسديّة ، ومدى صبره على اعمال الزريبة او الحقل


صبية : وماذا عن الطبخ ؟

جاك : أعطيت المهمّة لهذه الصبيّة التي أظهرت البارحة مهارتها بالطبخ .. بالإضافة لهذا الشاب الذي يعمل طبّاخاً في مطعم العاصمة  

شابٌ آخر مُعترضاً : عملهما يعتبر سهلاً بالنسبة للآخرين ! 

الطبّاخ بعصبية : الا ترى الأدوات القديمة في المطبخ ؟ فكل شيءٍ هنا بدائي .. حتى الفرن على الحطب ! لذا لا تستسهل عملنا !! 

جاك : رجاءً لا تتشاجرا ، فالجميع سيبذل جهداً بهذا البرنامج .. وكما قلت مُسبقاً : ستتبدّل الأدوار بيننا كل يوم.. (ثم قال بنبرةٍ حازمة).. والآن كلاً الى عمله !! فالمواشي بحاجة الى طعام ، والأرض بحاجة للريّ ..

فقال الطبّاخ لزملائه : في حال وجدّتم فاكهة او خضار ناضجة ، إحضروها للمطبخ .. وعلى اساسها ، نُعدّ طعام الغداء


فسأل شابٌ آخر : جاك .. الن نذبح احدى الخراف للحصول على اللحم ؟

جاك : معدّوا البرنامج أخبروني أنه يمكننا فعل ذلك مرّة بالإسبوع ..وبقيّة الأيام سنعتمد على منتجات الألبان والخضار

فردّ الشاب : اذاً اتركوا ذبح الخراف عليّ ، فأنا اعمل جزّاراً بالمدينة

جاك : حسناً ، بنهاية الأسبوع نوكّلك بالمهمّة

^^^


وبالفعل بدأ كل واحدٍ عمله .. وإن بدا الأمر صعباً على القادمين من المدينة .. لكنهم فرحوا باجتماعهم وقت الغداء ، وهم يتبادلون القصص الطريفة بينهم (بعد حرمانهم من التلفاز والجوالات .. فهذه الروابط الإجتماعية افتقدوها كثيراً بالمدينة)


ولم يحلّ المساء حتى غفوا سريعاً من شدة التعب ، ولعلمهم بأن معدّوا البرنامج سيوقظوهم باكراً (مع شروق الشمس) لإتمام مهامهم بالزريبة والمزرعة.. مما صعّب الأمر على المشتركين المتعوّدين على السهر بالمدينة .. ومع ذلك كانوا سعداء بهذه التجربة الغريبة ، خصوصاً مع بدء شرارة الإعجاب بين الصبايا والشباب الذين تشاركوا ذات المهام الصعبة

***


إستمرّت الأعمال الروتينيّة لإسبوعين ، ظهر فيهما التقارب العاطفي لبعض الثنائيّات الذين طمحوا للجائزة الكبرى ، دون علمهم بأن الإمتحانات والضغوطات ستبدأ قريباً !  


ففي صباحٍ باكر .. إستيقظوا على صراخ احدهم ، بعد احتراق مخزن الحطب المُخصّص للتدفئة والطبخ ! 

وبعد تعاونهم على إطفاء الحريق.. نشب خلافٌ بين الشباب وهم يتبادلون الإتهامات بسبب الإهمال بإطفاء قنديل المخزن ، الذي برأيهم تسبّب بالحريق (دون علمهم بأن الحريق مُفتعل من معدّي البرنامج ، لكشف أخلاقهم الحقيقية للجمهور) 


وهذا الخلاف ادّى لوقوف الصبايا مع احبابهم ضدّ الأخرين ، تسبّب بشقاقٍ في صفوف المشتركين.


وعندما حاولت إحداهن تقبيل حبيبها لتهدئة غضبه من الشاب الآخر ، صرخت متألّمة من صعقة عقدها الحديديّ .. مما أغضب حبيبها الذي كسر إحدى الكاميرات وهو يشتم المدير والمنتج الثريّ على برنامجهما التافه ! 


فارتفع صوت المدير من مكبّر الصوت ، بنبرةٍ حازمة :

- أخبرتكم مراراً بقانون منع التقارب الجسدي بينكم .. وإن تكرّر الأمر ، ستطردان معاً !!

الشاب غاضباً : طالما هدف برنامجكم الزواج ، فكيف تمنعوننا التعبير عن عواطفنا؟! .. اللعنة عليكم جميعاً !! سأقبّلها غصباً عنكم


لكن قبل تقبيله حبيبته (التي لا تمانع ذلك) دخل الحارسان الغرفة ، وأمرا المتشاركيّن (الصبية والشاب) بتسليم ميكروفوناتهما بعد إخلالهما بشروط المسابقة.. وسط دهشة المتسابقين بخروج اول ثنائي من البرنامج !

***


بعدها بأيام ، ومع عودة الهدوء بين المشتركين .. تفاجأوا بوجود سلّة قشّ بداخلها طفلٍ رضيع ، وسط ارضهم الزراعيّة !  

ورغم سؤالهم مُعدّوا البرنامج عن اهله ؟ لكنهم لم يلقوا جواباً ! ففهموا انها مهمّة جديدة بالإهتمام به..


وأكثر اثنيّن اهتمّا بالطفل : كان جاك (القائد) وحبيبته جاكلين (المعروفة بشخصيّتها الحنونة العطوفة التي أعجبت الجمهور) حيث تشاركا العناية بالصغير .. مما اثار غضب احد الشباب الذي اتهم جاك بإسناد مهامه بالزريبة عليه ، بحجّة الصبيّ ! 

وتطوّرت المشاجرة بمحاولة لكم جاك الذي حاول الدفاع عن نفسه ..


فتدخلت جاكلين للفصل بينهما ، لتفاجأ بصفعة حبيبة الشاب لها :

- لا تلمسي حبيبي ، يا جاكلين !!

جاكلين بصدمة : لم ألمسه ! كنت فقط أبعده عن جاك


وهنا دخل الحارسان ، وطلبا من الشاب وحبيبته مغادرة البرنامج بعد استخدامهما العنف (الممنوع بقوانين المسابقة) .. وبذلك خرج الثنائي الثاني من المشتركين ! كما أخذ الحارسان الطفل بعد انتهاء دوّره بالبرنامج ! مما أثّر على مشاعر جاك وجاكلين اللذيّن تعلقا به خلال الأسبوع الفائت 

***


بعدها بأيام .. تفاجأوا بإمرأة عجوز تُكلّم البقرة في الزريبة ، كأنها مصابة بالخرف ، فهي لا تذكر كيف وصلت للمزرعة ! 

لكن معظمهم يُدرك أنها إحدى امتحانات البرنامج ، لذلك عاملوها بلطفٍ واهتمام .. 


لكن بعد اسبوع ، بدأ معظمهم يملّ من طلباتها المتعدّدة .. بينما ظلّ جاك وجاكلين يهتمان بها ، وهما يستمعان لنصائحها وقصصها الجميلة.. 

مما تسبّب ايضاً بمشاكل بين إحدى الصبايا وجاكلين بعد اتهامها بإهمال جليّ الصحون ، بحجّة إطعامها العجوز ! 


فوقف جاك مع حبيبته ، ضدّ الصبية وحبيبها العصبي الذي لم يكتفي بشتم جاك ، بل ايضاً العجوز التي تضايقت من كلامه البذيء ، خاصة عندما لقّبها بالإمرأة الخرِفة  


فتدخل الحارسان لإخراجه بالقوّة من البرنامج (لأنه قاومهم ، برميّ الصحون عليهم) ..وكان يتوقع وقوف حبيبته معه ، لكنها التزمت الصمت!

وعندما سألها بعصبية :

- إخبريهم كيف أن العجوز تُشكّل عائقاً لأعمالنا في المزرعة ؟

لتصدمه برأيها :

- لن أشتم احداً ، فهو مخالف لشروط اللعبة .. ولن أضيّع الجائزة الكبرى لأجلك

فردّ غاضباً : يا غبية !! ستخسرين بجميع الأحوال ، لأنه بخروجي لن يكون لك حبيب..  

فقاطعته بخبث : مازال هناك شبابٌ غيرك في المسابقة


فخرج مصدوماً ، برفقة الحارسيّن بعد خسارته المسابقة ! ورافقتهم العجوز بعد انتهاء دوّرها بالبرنامج ، بعد شكرها جاك وجاكلين على حسن الضيافة .. كما اخبرتهما عن محبة الجمهور لهما ، وأنهما المرشّحان الأقوى للفوز بالبرنامج.. وذلك لحسن تعاملهما مع الصغار وكبار السن  

***


بعدها بأيام .. طلب معُدّوا البرنامج الإستعداد للتخييم بالغابة (القريبة من المزرعة) والتي ستصوّر احداثها بطائرتيّن درون ، ستحلّقان لثلاثة ايام (المخصّصة للكشّافة) بشرط بقاء كل واحدٍ منهم في خيمته الخاصة  


فالتزموا بقوانين اللعبة .. لكن في ليلتهم الأخيرة ، إستفاقوا على صوت الحارسيّن وهما يطلبان من شابٍ وصبية الخروج من البرنامج 

وقبل فهم البقيّة ما حصل ! إعترض الشاب قائلاً : 

- كنت نائماً ، وهي من دخلت خيمتي .. احلف بأنني لم أخالف القوانين

فانصدمت حبيبته من كلامه :

- الم تكن تصرّ على بقائي بجانبك لأيام ؟!

- كاذبة !! لم اطلب منها شيئاً .. حتى راجعوا كاميرات المراقبة 


وبالفعل أظهرت كاميرا طائرة درون الليليّة : بأن الفتاة من دخلت خيمته آخر الليل .. لذلك تمّ سحبها وحدها من البرنامج وهي تلعن حبيبها الذي غدر بها ، لطمعه بالجائزة الكبرى !


وبالصباح الباكر .. عاد جاك وجاكلين ، بالإضافة للشاب والصبية (اللذان خسرا احبائهما في المسابقة) الى المزرعة 

***


ورغم ان المرجّح ان يقوم الشاب والصبيّة بادّعاء الحب بينهما ، للبقاء في المسابقة .. الا انهما خبيثيّن ، ويعلمان ان جاك هو المرشّح الأقوى للفوز بسبب شهامته وشخصيّته القياديّة .. وكذلك جاكلين ، المحبوبة للجمهور بشخصيّتها اللطيفة .. لذلك خطّطا للتقرّب منهما ، بغرض الوصول للحلقة النهائيّة .. غير آبهيّن بمشاعر جاك وجاكلين الحقيقية منذ يومهما الأول بالمزرعة !


وبالفعل حاول الشاب إثارة غيرة جاك بتقرّبه من جاكلين ، عن طريق ممازحتها ومساعدتها بأعمال المطبخ .. لكنها فهمت هدفه ، وعاملته بجفاء .. فهي مخلصة لحبيبها الشهم.. 

وكذلك حاولت الصبيّة التقرّب من جاك ، عن طريق اهتمامها الزائد به ..


لكن بسبب الثقة المتبادلة بين جاك وجاكلين ، لم يكترثا لمحاولة المشتركيّن الفصل بينهما .. بل استطاع جاك بذكائه إبعادهما ، عن طريق توكيلهما بالمهام ذاتها .. ولأنهما شخصيّتان تتميّزان بالحقد والحسد ، ثارت بينهما المشاكل .. وصلت لدرجة رميّ بعضهما بقاذورات المواشي في الزريبة ! مع فضح نيّتهما بالحصول على المال ، دون الحب والزواج .. مما ادّى لطرد الشاب .. بينما الصبيّة دخلت السجن بعد اعترافها (اثناء الشجار) بقطع سرج الحصان ، لإسقاط جاك بعد رفضه الصريح لها .. 


وبذلك طُرد المشتركيّن ، بعد اسبوعيّن من محاولتهما المستمينة لفصل العاشقيّن .. ليتنفّس الجمهور الصعداء بإبعاد الدخيليّن عن الحبيبيّن اللذيّن حصلا على تأيديهم منذ البداية          

***


ولم يبقى في المزرعة سوى جاك وجاكلين .. حيث اهتم جاك بالزريبة وحده ، بينما جاكلين بالمزرعة والمطبخ.. وكان ذلك مرهقاً لهما .. جعل لقائهما محدوداً بوقت الغداء والعشاء.. وقد ظهر حبهما جليّاً للجمهور بعد اهتمامه بها ، عقب إصابتها بالحمّى .. 

كما أظهرت جاكلين حبها مُسبقاً ، بعد اهتمامها بكسر قدمه (عقب سقوطه المُفتعل من الحصان) 


وكانت هناك لحظاتٍ لطيفة بينهما اثناء محاولته الطبخ معها ، مُتكئاً على عكّازه ..خصوصاً عندما أخجلها بكلامه اللطيف : بأن الحياة الزوجيّة تعتمد على المشاركة والإهتمام المتبادل .. كما عبّر عن خوفه وغيرته عليها ، منذ اليوم الأول لهما بالمزرعة ! مما رفع عدد المشاهدات لتلك الحلقة التي اعترف بها جاك اخيراً ، بحبه العميق لها 


ورغم الحب الكبير بينهما الا انهما حافظا على المسافة بينهما ، مع بناء الثقة والإحترام بينهما .. فكلاهما من عائلاتٍ محافظة ، ولديهما قدرٌ كبير من الأخلاق والأدب .. 

مما زاد إعجاب الجمهور لهما ، خصوصاً بعد بقائهما وحدهما بالشهر الأخير للمسابقة التي أصبحت أنجح برنامجٍ واقعيّ لهذا العام ، مُطالبين الجمهور بتزويج الحبيبين بأقرب وقتٍ ممكن

***


وبالفعل انتهى البرنامج بآخر يومٍ من شهره الثالث ، بعد مرور البطليّن بالكثير من الأحداث والضغوطات التي زوّدت العشق بينهما


وفي الموعد المحدّد ..تجمّعت الناس امام شاشات التلفاز ، لمشاهة العرس الأسطوري للحبيبيّن اللذيّن نجحا ببناء مشاعرٍ جيّاشة دون الفاظٍ لا إخلاقيّة او لمساتٍ مُحرّمة.. وقد عرض الثريّ صوراً لمنزلهما الجديد الفخم ، بالإضافة لوظيفة لكلاهما في شركته الضخمة للمفروشات !


وهذه الجوائز القيّمة ، جعلت الأهالي يقرّرون تربيّة مراهقيهم على الأخلاق والطهارة ، على امل مشاركتهم مُستقبلاً ببرنامج الثريّ الذي وعدهم باستمراره كل عام حتى آخر يومٍ بحياته ..  

^^^


وعندما سأله المذيع (بمقابلةٍ صحفيّة) : عن سبب صرفه لتلك المبالغ الماليّة على برنامجه الإجتماعي ؟ 

أجابه الثريّ : بأنه في شبابه احب فتاةً محافظة ، رفضت لمسها الا بعد زواج .. لكنها توفيّت قبل العرس بإسبوع بحادث سير.. ورغم قهره بعدم إكتمال علاقته بها.. الا انه مُمتنّ لتجربة الحب العذري معها ، الذي كان مليئاً بالمشاعر الصادقة .. 


وأخبر المذيع : بأن الحب لم يعد موجوداً بالعصر الحالي الذي انتشرت فيه العلاقات الغير شرعيّة والأطفال اللقطاء .. فالحب الحقيقي عبارة عن نظرةٍ عاشقة ، وضحكةٍ خجولة ، ولمسةٍ بريئة ، واحلامٍ صادقة ببناء عائلةٍ مترابطة .. ولا دخل للعشق الطاهر بالعلاقات العابرة.. 


وأكّد بنهاية المقابلة على استعداده لصرف كل ثروّته على برنامجه ، طالما سيبني مجتمعاً نظيفاً يقدّس الحب العذري كالعصور الماضية  

وبعد النجاح الساحق لمسابقته التي ترجمت لعدّة لغات ، يبدو ان أمنيّته المستحيلة ستتحقّق فعلاً !


لعبة القدر

كتابة : امل شانوحة  الفرصة الثانية ذات يوم .. قدِمَ الشرطي عزيز الى منزله ، ومعه صبيّة.. فتفاجأت اخته الكبرى : - من هذه ؟! - هذه أليف .....