الاثنين، 2 يونيو 2025

التلاعب بالمشاعر

تأليف : امل شانوحة 

خطّة العقوبة 


كتب لها على الفيسبوك ، وهو مزّهواً بنفسه : 

- يكفي هذا القدر من التواصل ، فغيرك ينتظر دوره

الصبيّة بقلق : ماذا يعني كلامك ؟!

- لقد تحدّثنا ثلاثة اشهر .. وطالما أخبرتني الآن بحبك لي ، فقد حقّقت مرادي .. وعليّ البحث عن حبيبةٍ اخرى تكون صعبة المنال ، فأنا احب المغامرات الشيّقة

- هل تتلاعب بمشاعر البنات ؟!

- هي إحدى هواياتي .. فأنا ثريٌّ ووسيم .. وأتعمّد البحث عن اليائسات امثالك ، لكيّ أُسعد ايامهن البائسة بعبارت الغزل التي لن يسمعوها من غيري .. وطالما نجحت بجعلك تتعلّقين بي ، فقد حقّقت هدفي. .سأمسح هذا الحساب بعد قليل ، فلا تبحثي عني .. فكل المعلومات التي اخبرتك بها ، مُزيّفة .. سلام يا حبيبتي السابعة 


وحذف حسابه بالفعل ، تاركاً الصبيّة في صدمةٍ عاطفيّة ! دون علمه بأنها خبيرة كمبيوتر ، او بالأصح هاكر محترفة.. 


وبسبب غيظها منه ، سهرت ليلتها وهي تبحث في ملفات حاسوبه (الذي نجحت في اختراقه) لتجد نسخاً عن محادثاته مع حبيباته السابقات ، التي تضمّنت مزيداً من المعلومات عنه .. او ربما اكاذيب مختلفة ، أخبرها للفتيات البالغ عددهن ستة .. وهو شيء الوحيد الذي صدق فيه ! 


وبعد بحثٍ مطوّل ، تمكّنت العثور على صفحاتهن بالفيسبوك .. وقامت بالتواصل معهنّ ، ببثٍ مباشر .. حيث تشاركن معاً لحظات القهر التي شعرن بها ، بعد إنفصال الشاب النرجسي المغرور عنهن!


فاقترحت الصبيّة (الهاكر) التالي : 

- ما رأيكن لوّ نعاقبه ؟ كيّ لا تقع ضحيّةٌ ثامنة في مصيّدته القذرة

إحداهن باهتمام : وكيف نفعل ذلك ؟!

- بما انني خبيرة كمبيوتر ، أستطيع مسح ملفات عمله القديمة والحديثة .. فهو كما اخبرتني احداكن : يعمل بشركةٍ هندسيّة تابعة لوالده .. وحسب الملفات التي قرأتها ، فهو مشغول حالياً بمشروع بناء مولٍ ضخم ! والذي يمكنني مسح رسومات هندسته من حاسوبه تماماً

سلمى (وهي الأطيب قلباً بينهن) : لكن هذا سيصيبه بالجنون !


فردّت إحداهن بعصبية : برأيّ هذا العقاب ليس كافياً !! علينا إذلاله ومسح كرامته بالأرض ، كما فعل معنا

الهاكر : كنت قبل تواصلي معكن ، لاحظت ان لديه فتاةً مميزة يحدّثها منذ سنوات.. وحسب قراءتي لمحادثاتهما ، فهو حريص جداً على مشاعرها .. بعكس طريقته الفظّة معنا ! 

- طالما اللعين لديه حبيبه ، فلما يخونها معنا ؟!

سلمى بقلق : يخون ! هل كان على علاقةٍ جسديّة مع احداكن ؟

فردّت صبيّة بقهر : بغبائي عزمته على شقتي ، بالوقت الذي عملت فيه بشركة والده.. وأظنني اول من تلاعب بمشاعرها بينكن

سلمى بقلق : وهل حصل شيءٌ بينكما ؟!

فأجابتها : لما تبدين خائفة من إنحرافه ، هل تظنيه مُتديّناً مثلك ؟! على كلٍ ، لم يحصل شيء .. شرب العصير ، ورحل .. قال أنه لا يريد التورّط مع احد !

فتنهّدت سلمى بارتياح ، دون إظهار ذلك للفتيات الغاضبات..


لتتفاجأ بالموظفة السابقة تُكمل كلامها : 

- لهذا تعمّدت في المرة الثانية التي زارني بها ، على وضع الكحول في عصيره 

سلمى بقلق : وهل نجحتي بإيقاعه.. 

فقاطعتها قائلة : لا !! لكني صوّرته يرقص بغباء ، وهو سكران .. قبل إغمائه في الصالة .. وفي الصباح خرج من بيتي ، اثناء نومي بغرفتي .. لأعرف في اليوم التالي بقرار طردي من الشركة ، مع رسالة إنفصاله عني!

الهاكر : إرسلي لي الفيديو الذي صوّرته وهو مخمور 

سلمى بقلق : وماذا ستفعلين به ؟!

الهاكر : بعد ايام ، سيعرض مشروعه على عميلٍ مهم لشركته.. سأجعله يذلّ نفسه بذلك الفيديو امام موظفيه ، بدل رسوماته الهندسيّة 

سلمى : هذا سيفضحه امام الجميع !


فاعترضت اخرى : برأيّ علينا معاقبته اكثر من ذلك .. فخالتي يمكنها سحره ، فهي خبيرة بالعالم السفليّ .. لكني للأسف ، لا املك شيئاً من أثره 

فردّت الموظفة القديمة :

- مازلت املك شاله الذي نسيّه اثناء نومه عندي ، سأرسله لك .. وانت تسحرينه بالعقم .. لكيّ تطلّقه حبيبته ، في حال تزوّجها لاحقاً 

فاعترضت الثالثة بغيظ : لا !! لن ننتظر كل هذه المدة .. عليك سحره بشيءٍ يُشفي غليلنا منه

- اذاً سأصيبه بالصدفيّة .. فمرضه الجلدي سيُنهي وسامته ، ويجعل الفتيات تشمئزنّ الإقتراب منه

الهاكر بسعادة : فكرةٌ رائعة !! إفعلي ذلك.. والآن من لديها افكار اخرى للإنتقام من اللعين المغرور ؟!!


سلمى : حرامٌ عليكن ! ستمرضونه وتحرمونه من حبيبته ، وتفشلون مشروعه ..ماذا تريدون اكثر ؟!

- يبدو مازلتي تحبينه ؟!

سلمى : على الأقل لا اكرهه لهذه الدرجة ، فانا اؤمن بالنصيب..

الهاكر مقاطعة بعصبية : يكفي غباءً !! هو تلاعب بمشاعرنا ، وعلينا إيقافه عند حدّه ، كيّ لا يؤذي غيرنا

فسألتها إحداهن : تبدو لديك افكار اخرى ؟

الهاكر : أخبرتكن انه يمكنني إختراق حاسوبه ، وحذف جميع المعلومات التي فيه .. فأنا لا يمكنني ايذائه الا الكترونيّاً


سلمى بحزم : هذا يكفي !! هو لم يغتصبنا او يشوّه سمعتنا .. هو فقط أضاع وقته بالحديث معنا .. وليس اول او آخر شاب يتكلّم مع الفتيات ، فالإنترنت مليء بأمثاله .. ثم هذا ذنبنا !! فلا يوجد رجل يخطب فتاة ، تحدّث معها دون إذن اهلها .. للأسف تعلّمت ذلك متأخراً.. لكن الله وحده يعلم بحسن نوايايّ

الهاكر : يبدو أن النقاش معك عقيماً ، لهذا سأقطع إتصالنا بك .. إبقي بغبائك وطيبة قلبك ، الى ان يحطّمه شخصاً آخر


وقطعت الإتصال بها ، بينما أكملت خططّ تدميره مع بقيّة الفتيات !

***


بعد ايام ، في الشركة .. تفاجأ الشاب بزيارة سلمى له :

- ماذا تفعلين هنا ؟! وكيف عرفتي عنوان شركتي ؟!

- من موظقتك السابقة (وأخبرته بإسمها) 

بدهشة : كيف تواصلت معها ؟! فأنا لم أحدّثها منذ سنتيّن ! 

سلمى : وماذا عن فلانة ؟ 

باستغراب : وهذه ايضاً قطعت علاقتي معها قبل ايام ! كيف اجتمعتي بهما؟! 

- بل اجتمعت بكل حبيباتك الستة (وأخبرته اسمائهن) .. وقبل ان تسألني .. حبيبتك الأخيرة خبيرة كمبيوتر ، وهي من جمعتهنّ لوضع خطّة لتدميرك 

فسألها بقلق : كيف يعني تدميري ؟!

سلمى : هي تريد فضحك امام العميل الذي ستعرض مشروعك عليه بعد قليل


في البداية لم يصدّقها ، لكنه شعر بالخوف بعد استعانته بخبير الكمبيوتر (موظف في شركته) الذي أكّد إختراق حاسوبه ، وحذف الهاكر لبعض ملفاته العمليّة المهمّة ! 


الشاب بقهر : ومالعمل الآن ؟! اريد استرداد ملفي بالحال ، فالعميل على وشك الوصول للشركة ! 

الموظف : إن وعدتني بمكافأةِ مالية ، سأعمل جاهداً على استعادة مشروعك

الشاب : لك ما تريد ، بشرط ان تضع حماية لحاسوبي من الهاكر اللعينة

الموظف : بل سأفعل اكثر من ذلك ، مُرسلاً فيروساً يدمّر حاسوبها

الشاب : والله ان فعلت ذلك ، سأرقّيك بالحال !!


ثم اخذ سلمى جانباً ، وهو يشكرها :

- طيبة قلبك جعلتك تأتين الى شركة والدي ، لتنبيهي على مُخطّطهن اللعين .. رغم انني كسرت قلبك ! رجاءً سامحيني ، فأنت افضل واحدة بينهن 

سلمى : قلت لك سابقاً ، انني اؤمن بالقدر .. المهم ان تُحصّن نفسك بالأدعية ، قبل تمكّنهن من سحرك 

- هذا خطأي .. وكأني فتحت على نفسي ابواب جهنم ، بتلاعبي بمشاعرهن 

سلمى : ليكن درساً لك .. فمعظم النساء لديهن افكار شيطانيّة : وأكثريتهنّ غيّورات وحقودات ، او ناقمات على الرجال بشكلٍ عام .. وبتعرّفك على المزيد منهن ، تصبح عرضة لإنتقامهن المدمّر .. المهم الآن ، سأتركك تعمل قبل وصول العميل


فشكرها مجدداً على حسن اخلاقها .. وعاد لعمله من جديد

***


بعد اسبوعين ، تفاجأت سلمى برسالةٍ منه (بعد فكّه الحظر عنها) !

((اردّت إخباركِ بنجاح مشروعي .. وتمكّني من حماية حاسوبي من الهاكر اللعينة .. كما ذهبت للشيخ لتحصين نفسي مع بداية شعوري بأعراض السحر ، عقب رؤيتي للكوابيس المرعبة .. وقد نصحني الشيخ بالحرص على ديني ، حتى لا اصبح فريسةً سهلة للجن .. خصوصاً بعد ظهور بثورٍ تشبه الصدفيّة بجلدي ، والتي سارعت بعلاجها قبل انتشارها بجسمي .. فمن بين كل البنات اللآتي تلاعبت بمشاعرهن ، لست نادماً إلاّ عليك.. رجاءً سامحيني))


فأرسلت سلمى جوابها : كنت درساً قاسياً بحياتي .. لكني أؤمن بأن الزواج قسمة ونصيب .. وأتمنى لك حياةً سعيدة مع حبيبتك


وماهي الا دقائق ، حتى جاءها الردّ :

- يبدو ان سحرهنّ نجح بشيءٍ واحد ، وهو تفريقي عنها ! فحبيبتي فاجأتني بخبر خطوبتها من ثريٍّ عجوز

سلمى : لا تحزن ، لربما اراد الله لك الخير مع غيرها

- وهذا ما اشعر به فعلاً 

بارتباك : ماذا تقصد ؟!

- اريد رقم والدك ، لتحديد موعد الخطوبة

سلمى باستغراب : ولما اخترتني من بين كل البنات اللآتي تعرفهنّ؟!

- لأنك الوحيدة التي أثبّتي حسن نواياك .. فقد ساعدتني قبل ان يدمّرونني مهنيّاً وصحيّاً ونفسيّاً ، رغم أذيّتني لك ! وهذا يدل هلى حنانك وطيبة قلبك ، وحسن تربيّتك .. فماذا اريد اكثر من ذلك ؟

سلمى : موافقة ، بشرط !! ان تعدني بعدم التلاعب بمشاعر البنات ثانيةً ، فهو ذنبٌ كبير يُغضب ربك 

- التوبة !! تعلّمت درسي جيداً

***


وبالوقت الذي كانت فيه ضحاياه السابقات تبحثن عن بديلاً له ، كانت سلمى تنعم معه بأجمل شهر عسلٍ بأوروبا .. فهي استحقّت تعويض ربها ، بسبب صبرها ورضائها بالقضاء والقدر .. وهو شيءٌ نادر بحياتنا التنافسيّة الصعبة !


السبت، 31 مايو 2025

الحب العقيم

تأليف : امل شانوحة 

 

المريض النفسي


تمّتم بغيظ ، وهو يراقب حسابها الإلكتروني من بعيد :

- اللعنة ! تبدو سعيدة ، وكأنها تخطّتني بالفعل.. وزاد عدد اصدقائها الذين تُكلّمهم بأريحيّة .. كأنها تناست غيرتي الخانقة ، وتعليماتي الصارمة.. لا !! الموضوع زاد عن حدّه.. حتى انها تبتسم بصورها الجديدة ! وتعمّدت قصّ شعرها ، رغم معرفتها بحبي للشعر الطويل.. اذاً عليّ إيقاف صمتي العقابي بعد تعدّيه الخمس سنوات .. وحان موعد عودتي ، لامتصاص طاقتها الإيجابيّة من جديد.. فأنا لم اجد احداً لطيفاً وحنوناً.. او بالأصح ، لم أعثر على ساذجة تحبني بصدق مثلها !


وأرسل تعليقاً على صورتها الأخيرة التي نشرتها بالفيسبوك :

- هل اشتقتي اليّ ؟


وحين قرأت ندى تعليقه ، شعرت بالإرتباك ! فقد عاد بعد طول غياب.. صحيح هو حبها الأول.. لكنها بسنوات الفراق ، تذكّرت انه لم يقدّم شيئاً مفيداً لها .. فهو اكتفى بالغزل الشحيح من وقتٍ لآخر ، لمراضاتها بعد غضبها من تأخّره للقدوم الى بلادها ، رغم علمه بحلمها الكبير بالأمومة.. والأسوء انه عاد بعد تقدّم رجلٍ آخر لخطبتها.. فهل ترفض صاحب النيّة الصافيّة ، لأجل شخصٍ نرجسيّ تلاعب بمشاعرها لسنواتٍ دون رحمة ؟ والذي حرص على نقد اهلها وأصدقائها ، واستهان بأحلامها المستقبليّة ..لجعلها فريسةً سهلة ، بعد إبعادها عن حماية القطيع !


ليس هذا فحسب .. فهي تذكّرت شعورها المرير كلما خاصمها بنقدٍ لاذع وهو يهدّدها بأنه املها الأخير لإنقاذها من العنوسة ، او العريس الوحيد على هذا الكوكب!

^^^


مرّت ساعة على تعليقه الغامض .. والذي جعلها في صراعٍ بين عقلها الرافض لعودته ، وبين قلبها الذي يتوق لمحادثته !


بالنهاية ربح قلبها .. وأرسلت رسالة على صفحته ، بعد فكّه الحظر عنها اخيراً :

- اكيد اشتقت اليك .. ماهي اخبارك بالسنوات الخمس الماضية ؟

ولم تمرّ دقائق ، حتى راسلها قائلاً : 

- كنت أستعدّ ماديّاً ، لأصبح جاهزاً لخطبتك

فردّت بسعادة : أحقاً ما تقول ؟!

- بالتأكيد حبيبتي !! وسآتي الى بلادك خلال ايام .. فتجهزّي يا عروستي الجميلة


وكادت ندى تطير فرحاً بهذا الخبر.. لكنها فضّلت عدم إخبار اهلها ، قبل التأكّد من وصوله الى بلادها .. فهو أخلّ بوعوده السابقة ، خلال العشر السنوات الماضية (التي عرفته فيها) لهذا لم تعدّ تثقّ به كالسابق

***


وبعد ايام .. ارسل صورته امام فندقٍ شهير في منطقتها ، وهو يقول:

- هآ انا وصلت 

ندى بسعادة : الحمد الله على سلامتك ، سأعطيك عنوان منزل اهلي

- ليس بهذه السرعة .. فأنا تعرّفت عليك بالإنترنت منذ مدةٍ طويلة ، وأكيد تغيّر شكلك.. اريد مقابلتك بالفندق.. ورجاءً لا تخبري احداً بموعدنا .. ففي حال اتفقنا على جميع التفاصيل ، أوصلك بنفسي الى بيتك.. وسأصعد معك ، للحديث معهم عن موعد الزواج.. وربما نشتري الخواتم قبل ذهابنا لأهلك..

ندى بدهشة : أبهذه السرعة ؟!

- ألا تكفي العشر سنوات التي ضيّعناها من حياتنا ؟ 

ندى بحماس : حسناً موافقة !! لكني سأجتمع معك في صالة الفندق

- بالتأكيد حبيبتي .. لا تدرين كم اشتقتُ اليك

ندى بخجل : وانا ايضاً

***


في الفندق .. وجدته ينتظرها على إحدى الطاولات ، وأمامه كأسان من العصير !

وما ان اقتربت منه بكامل زينتها ، حتى سألته باستغراب :

- هل كان معك احد ؟!

وقبل ان يجيبها ، فاجأها بحضنٍ دافىء وهو يقول :

- ذاك الكأس لك .. فقديماً أخبرتني عن حبك لعصير الأناناس 

ندى بدهشة : أمازلت تذكُر ؟!

- لم أنسى تفصيلة صغيرة من محادثاتنا السابقة 


وجلست تحدّثه عن شوقها له ، بعد غيابه المفاجئ .. فعاتبها :

- ولما لم تتصلي بي ثانيةً ؟

ندى : كيف أفعل بعد ان حظرتني ؟!

- آه آسف ! هذه غلطتي .. ظننت بإمكاني نسيانك ، لكني فشلت بذلك

- وانا ايضاً.. جيد انك قدمت بالوقت مناسب .. فأهلي يضغطون عليّ ، للموافقة على العريس الجديد !

فقال بحزم : لا احد سيلمسك غيري !!

فابتسمت بخجل : اعرف غيرتك جيداً

- هيا إشربي العصير .. فأنت تبدين مُنفعلة من ضغط اهلك عليك


وقبل إنهائها العصير ، شعرت بدوّارٍ شديد ! وتشوّشت رؤيتها ، وهي تسمع صوت النادل يسأله :

- هل زوجتك بخير ؟!

فأجابه : هي تشعر بدوّار الحمل .. سآخذها لغرفننا

وكان هذا آخر ما سمعته ، قبل ان تغطّ بنومٍ عميق !

^^^


لتسيقظ مساءً في سرير غرفته بالفندق ، وهي شبه عارية !

فسارعت بفتح جوالها بيدٍ مرتجفة ، لتجد رسالته الصوتيّة :

((هل ظننتِ ستنجين مني بسهولة ؟ لم تُخلق فتاةٌ حتى الآن ، لم تعطني غايتي بإرادتها او غصباً عنها .. على كلٍ ، بالتوفيق مع عريسك القادم .. هذا إن وافق على الزواج منك ، بعد حصولي على مرادي.. لا تتصلي بي ثانيةً .. لأنك عندما تستيقظين من المخدّر الذي وضعته في شرابك ، سأكون وصلت بلادي.. 

وملاحظة أخيرة : كل المعلومات التي تعرفينها عني ، خاطئة .. حتى إسمي مزيّف.. وهذا ذنبك ، لتجاهلك مخاوف اهلك .. فهم مُحقّين حين نصحوك : أن النرجسي لا علاج له))


وختم رسالته بضحكةٍ مُستفزّة ، قبل إلغاء رقم جواله .. 

لتنهار ندى باكية ، بعد تدميره حياتها للأبد !


الخميس، 29 مايو 2025

العذاب الطويل

تأليف : امل شانوحة 

عقوبة السّحرة


في الجزائر ، وبآخر الليل .. قدمت امرأة ستينيّة الى منزل زميلتها التي سألتها باستغراب :

- لما هذه الزيارة المتأخرة ؟!

- اعلم جيداً انك تسهرين الليل مثلي ، فعملنا يتطلّب ذلك

- ومالذي اتى بك اليّ ؟

- تبدين هادئة ! الم تسمعي بقرار الحكومة بتنظيف جميع القبور .. والذي سيبدأ غداً صباحاً مع مجموعة متطوعيّن ، بالإضافة لمشايخ مُتخصّصين بفكّ الأسحار ؟

بقلق : اذاً الإشاعة صحيحة ؟!

- نعم !! وهذه مصيبة .. لأنهم سيعثرون على اسحارنا القديمة التي يعود بعضها لعشرين سنة !

- المشكلة ليست بفكّ الأسحار فحسب .. بل إحتمال كبير ان نُسجن ، كوننا أشهر مشعوذتيّن بالبلد.. خاصة ان منازلنا قريبة من المقبرة الأكثر إزدحاماً بالموتى ! 

بخوف : هذا إن لم يقتلنا الأهالي الغاضبون ، بعد رؤية صور ابنائهم المسحورين .. (ثم تنهّدت بضيق).. قرار الحكومة المُفاجئ سيضيّع كل تعبنا ومجهوداتنا ..

مقاطعة : وهل ضاعت بالسنوات الماضية ؟

- ماذا تعنين ؟!

- الم تتسبّب اسحارنا بموت وتشويه وتمريض الأشخاص الذين قمنا بسحرهم ، حسب طلبات اعدائهم ؟

- بلى ، لكني مقهورة على تحرّر المصابين بسحر التعطيل..

- يكفي ضيّعنا شبابهم بعد تجاربهم الفاشلة وخيبات الأمل ، مع كل فرصة خسروها بسبب الجن والعفاريت التي سلّطناها عليهم


فسألتها باستغراب : ما بالك تتكلّمين ، كأنك نويّتي التوبة ؟!

بحزن : وهل لنا توبة ؟ فقد سمعت مقاطع كثيرة لمشايخ بالإنترنت ، يأكّدون ان السّحرة مخلّدون بالنار !

- هل جميع المشايخ متفقون على ذلك ؟!

- ماعدا واحد ، قال يمكن قبول توبتنا بشرطيّن

باهتمام : وماهما ؟!

- أن نفكّ جميع الأسحار التي قمنا بها .. وأن نعتذر من كل المسحورين عن الضررّ الذي تسبّبنا به

- هاذيّن شرطيّن تعجيزيّن ! فهناك اسحار رميناها بالبحر ، او علّقناها بالعصافير.. كما إن حصولنا على مغفرة المسحورين ، لمن سابع المستحيلات!

- اعرف هذا .. وهذا يعني أننا ضمِّنا عذاب القبر والآخرة !

- تبدين نادمة على تعلّم السحر ؟!

- انا دخلت هذا المجال بالصدفة

- هل بسبب حقدك من امرأةٍ ما ؟!

- اعرف قصتك .. وانك تعلمتِ السحر بسبب عقمك ، وحمل جارتك من زوجك الذي تزوّجها سرّاً .. فأردّتِ عقاب ضرّتك بأسوء الطرق .. اما انا !! فتعلّمته لحماية نفسي من السحر

- نحن زملاء عمل منذ سنوات ، ولليوم لا اعرف قصتك .. رجاءً إخبريني بها؟


فتنهّدت بضيق : 

- في شبابي ، تقدّم لي عريسٌ ثريّ .. فرفضه والدي ! مما أغاظني ، فقد كنت احلم بالثراء منذ صغري.. وبعد وفاة ابي ، إتصلت به وأخبرته بموافقتي ..فعاد لخطبتي

- وهل تزوّجته بالفعل ؟

- وليتني لم افعل .. فقد تفاجأت بعد انتقالي لقصره ، بوجود زوجتيّن قبلي !

- الم يخبرك عنهما ؟!

- ربما اخبر ابي ، لهذا رفضه .. فهو يعلم بغيرتي القوية من اخوتي

- خطأ والدك انه لم يفهمك سبب الرفض

- هذا صحيح .. رحمه الله

- إكملي قصتك ؟

- لأني عروس جديدة ، تعشّمت بتطليقهما لأجلي .. لكنه رفض طلبي ، لأن لديه اولاد منهما.. ويبدو إن إلحاحي عليه ، وصل اليهما .. فسحراني بقطعة دهن ، علّقاها في شجرةٍ يابسة بالصحراء .. وبذوبانها بالحرارة ، اموت دون علاج ! 

بصدمة : لم أكن اعرف انك سُحرت يوماً ؟! 

- هذا ما حصل.. وبعد شهر ، اوشكت على الموت بعد ان هزل جسمي بشكلٍ مخيف.. فطلبت الطلاق ، وعدّت لأهلي وانا مريضة للغاية ونفسيّتي مُحطّمة تماماً .. وللأسف اخطأت امي بأخذي الى جارتها..

مقاطعة : أتقصدين إستاذتنا الشهيرة التي علّمتنا السحر ؟ 

- نعم ، وليت امي أخذتني الى الشيخ لعلاجي .. فالجارة بعد تحريري من السحر .. إقترحت تعليمي الشعوذة ، لحماية نفسي من الأشرار

- وكيف تورّطتي بالموضوع ؟! 

- بعد زواجي الثاني ، تضايقت من زيارة اهله المتكرّرة لبيتي.. ويبدو ان الجني (الذي سخّرته المشعوذة لي) عرف بالأمر ، فاقترح سحر زوجي لفصله عن اهله.. وبالفعل أشربته السحر ، ليقوم بمخاصمتهم جميعاً.. مما ادّى لقطيعةٍ كبيرة ، خلّصتني منهم للأبد.. ثم شجّعني الجني على أذيّة بعض الأشخاص الذين اكرههم ، مقابل نقوداً ذهبيّة كمكافئة لي .. ولم اجد نفسي إلاّ وانخرطت بهذا المجال القذر ، خصوصاً بعد وفاة زوجي وسفر ابني الوحيد للغربة !


فسألتها : الم تفكّري بالتوبة من قبل ؟

- بلى ، بعد ثالث عملٍ سحريّ قمت به .. رأيت عذابي بجهنم في المنام ، فعقدّت العزم على التوبة .. دون الإكتراث بتهديد الجني الذي اصابني بعدّة امراضٍ غريبة ومؤلمة.. لكن بعد أذيّته طفلي ، عدّتُ مُجبرة لأعمال السحر .. وكلّه بسبب الجني اللعين الذي ظننته مخلوقاً لخدمتي ، لكني بالحقيقة كنت عبدةً له ! فهو أقنعني بأن الله لن يسامحني على اعمالي السابقة.. ففكّرت بأنه طالما خسرت الجنة ، فلأكمل للنهاية .. الى ان اصبحت من اهم مشعوذي البلد !

فقالت الأخرى بحزن : اما انا ، فكرهي لضرّتي التي تفاخرت بدلال زوجي لها ولإبنها ، هو ما جرّني لهذا المهنة القذرة.. (ثم تنهّدت بضيق).. المهم الآن ، مالعمل بالمصيبة القادمة ؟ فأسحارنا على وشك ان تُكشف امام الملأ !

- ليس امامنا سوى إنتظار النتيجة غداً : فإما ان يتمكّن الجن من إعماء عيون الباحثين عن مكان الأسحار المدفونة ، او نُعاقب على جريمتنا بأبشع الطرق.. ولنتمنى ان تسجّننا الشرطة ، بدل الموت حرقاً من الأهالي الغاضبين

***


في اليوم الثاني ، ظهراً.. إستيقظت إحدى الساحرتيّن (في بيتها الأرضيّ) على صوت طرق بابها بعنف ! من ابٍ ماتت ابنته الوحيدة بالسرطان ، بسبب السحر الذي وجدوه بين المقابر صباحاً ..


فحاولت الهرب من النافذة ..

لتتفاجأ بأم المغدورة تنتظرها هناك ، والتي انهالت عليها طعناً بالسكين.. لينضم اليها الوالد ، ويُجهز عليها.. ثم الهرب مع زوجته قبل قدوم الشرطة!

^^^


اما المشعوذة الثانية .. فتمكّنت الشرطة من كسر باب شقتها ، للقبض عليها بناءً على طلب الأهالي الغاضبين .. ليجدوها تحتضر بنوبةٍ قلبيّة من شدّة فزعها.. وماتت قبل وصولها للمستشفى !


فتنفّس اهالي المسحورين الصعداء ، بعد علمهم بموت اهم ساحرتيّن بالمنطقة .. وإن كان هذا لم يشفي غليلهم ، بعد مقتل بعض ابنائهم او تشوّههم او إنتحارهم يأساً بسبب اسحارهما اللعينة !

***


وانتشرت اخبار الجزائر لجميع الدول العربية التي شجّعت الأشخاص المنحوسين او من يعانون من امراضٍ مُزمنة على نبش القبور والخرابات والأماكن المهجورة .. وصولاً للصحاري ، مع بحث الغطّاسين عن الأسحار الغارقة قرب الشواطئ .. 


والغريب هو تكرّر الأحداث في كل مكان ، بعد كشف آلاف الأعمال الشيطانيّة ! 

مع نشر صور المسحورين على وسائل التواصل الإجتماعي الذي ضجّ ببكائهم وهم يشاركون الناس قصص معاناتهم لسنواتٍ طويلة..

^^^


وبعد إفتاء كبار المشايخ : بأنه من ثبت بالدليل القاطع إمتهانه السحر ، حسب الأغراض الشيطانية التي عثرت عليها الشرطة في داره .. فإن الحكم الشرعي هو قتله .. كما أفتوا : بأن موت السحرة سيفكّ جميع اسحارهم ، مهما كان نوعها 


مما جعل الناس تتطالب بقتل جميع السحرة والمشعوذين .. وعندما لم ترضخ الحكومات لطلبهم .. ضجّت العواصم العربيّة بالمظاهرات ، مُهدّدين بإسقاط الحكم في حال لم يعاقبوا السحرة .. 


وبعد الضغط لأسابيع ، رضخ الحكّام لطلبهم .. 

وتجمّع الأهالي في يومٍ حُدّد بجميع الدول العربية ، لحرق السحرة كما العصور الوسطى .. ورغم غرابة الحدث ، الا أن المحاكمات العلنيّة نُقلت عبر وسائل الإعلام المحلي والعالمي !

 

ومع موت السّحرة البطيء والمؤلم ، إنفكت بقيّة الأسحار الخفيّة..  

لتمتلأ المساجد بالشاكرين لله على الفرج الذي طال انتظاره ، وهم يلعنون السحرة الذين عوقبوا بنار الدنيا ، وخلودٍ في جهنم لأبد الآبدين !

***


لكن ما تناسوه الناس ان اعدائهم الحقيقيين : هم من سرقوا صورهم وأغراضهم الشخصيّة وقدّموها للسحرة ، وعادةً ما يكونوا اقارب اكثر من الغرباء .. والذين لزموا منازلهم وهم يشاهدون إعدام السحرة (بجوالاتهم) بصمت ، وقلوبهم الحاقدة خائفةً من الفضيحة والعقاب .. 

فهل سيتوقفوا عن الأذيّة بعد موت السحرة ، ام سيبحثون عن وسيلةٍ اخرى لإيذاء المسحورين من جديد !


الاثنين، 26 مايو 2025

الحب القدري

تأليف : امل شانوحة 

المُجنّد المشهور


بعد انتهاء مسلّسله الذي دام تصويره سنتيّن ، والحائز على العديد من الجوائز بعد نجاحه الباهر.. إلتحق البطل التركي بالعسكريّة مُجبراً (بمدّةٍ تدوم شهراً) بعد توديعه البطلة (التي مثّلت معه دوّرها الأول في حياتها المهنيّة) والتي اصبحت حبيبته قبل انتهاء المسلّسل.. وبدوّره وعدها بالزواج ، فور إنتهاء خدمته العسكريّة

^^^


وبعد توديع اهله وتسليمهم جوّاله ، ركب الحافلة العامة التي ستوصله بطريقها الى مكان التجنيد..


وفي الطريق ، جلس البطل امام سائحةٍ عربيّة.. وهي الوحيدة التي عرفته بين الركّاب .. رغم حلق شاربه ولحيّته ، وإخفاء وجهه بالقبعة والنظّارة السوداء !

قائلةً له :

- سمعت في مقابلتك الأخيرة : عن رغبتك التمثيل مجدداً مع البطلة في فيلمٍ رومنسي ، بشرط أن يتمّ تصويره بإحدى الجزر 

البطل : هذا صحيح !

- انا كاتبة عربيّة .. وكتبت القصة التي اردّتها ، وترجمتها للتركيّة.. وطالما ذاهبٌ للتجنيد ، فجوّالك ليس معك .. لذا يمكنك قراءة ملخّص الفيلم الذي لا يتجاوز العشر صفحات من جوالي ، قبل وصولك للعسكريّة


فأخذ يقرأ القصة ، لشعوره بالملّل دون جوال 

^^^


وبعد قليل ، اعاد جوّالها ..وهو يقول باستغراب :

- كتبتِ احداث الفيلم وحبكته ، تماماً كما تخيّلته !

الكاتبة : اذاً أعطني بريدك الإلكرتونيّ ، لأرسله لك

- سأخبرك به ، لكن رجاءً..

مقاطعة : لا تقلق ، لن اعطيه لأحد.. اساساً سأعود الى بلادي قريباً


وبعد إرسالها القصة على ايميله ، أوقفت السائق للنزول لإحدى المطاعم الشهيرة في تركيا ، بعد توديعها البطل وهي تقول بصوتٍ منخفض (كيّ لا يسمعها بقيّة الركّاب):

- أتمنى ان تُنهي خدمتك العسكريّة بسهولةٍ ويُسر


فراقبها من نافذة الحافلة ، وهي تقطع الشارع المواجه للمطعم .. ليتفاجأ باصطدامها من سيارةٍ مسرعة ! 

فنزل اليها ..موقفاً سيارة اجرة ، لأخذها (وهي فاقدة الوعيّ) الى المستشفى..

^^^


ورغم تجبير قدمها ، إلاّ انها لم تستردّ وعيها ! فاتصل بوالده من هاتف المشفى ، والذي سأله بفزع :

- اين انت يا بنيّ ؟!! إتصل الضابط قبل ساعة ، وأخبرني بعدم التحاقك الجيش .. كنت سأصاب انا وامك بنوبةٍ قلبيّة !!


فأخبره بما حصل .. ثم ردّ مُعترضاً :

- لا يا ابي ! لا استطيع تركها.. فهي غريبة عن بلدنا ، وليس لديها احداً هنا

الأب : اذاً سآتي الى المشفى ، بعد اتصالي بالسفير لأخذ المعلومات عن اهلها .. المهم ان تذهب فوراً للعسكريّة ، وإلاّ سيعاقبونك !!

البطل بإصرار : لن اخرج من المشفى ، قبل قدومك يا ابي

^^^


وبالفعل عُوقب بالحبس الإنفرادي بمبنى الجيش لمدّة إسبوع ، بسبب تأخّره عن الإلتحاق ببقيّة الجنود !  


بعدها سمحوا له الإتصال بوالده الذي طمّأنه بسفر الكاتبة ، وعودتها الى عائلتها مع جبيرة بقدمها .. وإنها اعطته رقم جوالها ، في حال اراد ابنه الإتصال بها بشأن الفيلم!

فحاول البطل إفهام والده الموضوع : 

- هو فيلم كتبته خصيصاً لي ولزميلتي.. سأخبرك به بعد إنتهاء العسكريّة

***


وبعد شهر .. إستقبلته عائلته بالأحضان ، بعد تضخّم عضلاته وزيادة لياقته البدنيّة من كثرة التمارين الصارمة للجيش .. وكان مُتحمّساً لرؤية حبيبته التي اعتذرت عن استقباله ، بعد توقيعها عقد مسلّسلها الجديد مع البطل الشهير !


ورغم محاولته ملاقاتها اكثر من مرة ، لكنها تحجّجت بانشغالها بعملها الجديد ! حتى انها رفضت العمل معه بفيلم الجزيرة ، الذي تمكّن من إيجاد منتجٍ له ! 


ليعلم لاحقاً بعلاقتها العاطفيّة مع البطل الجديد ..مما كسر قلبه ، فهي حبه الأول !

فواساه والده :

- هي كانت ممثلة مبتدئة ، لهذا تعلّقت بك .. فلديك خبرة اكثر منها بمجال التمثيل .. وبعد شهرتها ، سعت خلف البطل المشهور ..والذي حتماً سيتركها بعد انتهاء المسلّسل ، فهو لعوبٌ مثلها .. بينما انت مخلص ، ذوّ قلبٍ حنون.. ولن تجد لك مثيلاً .. لذا لا تأسف على الرخيص ، يا بنيّ

***


وبعد ايام .. إتصل به المنتج ، ليسأله عن اسم البطلة التي يتمنى مشاركته التمثيل في فيلم الجزيرة ؟

فطلب مهلة ، لإيجادها..

ثم تحدّث مع الكاتبة العربية التي أخبرته بفكّ جبيرتها ، وعودتها القريبة الى تركيا

***


وبعد يوم من عودتها ، فاجأها بقدومه الى الفندق التي تنزل فيه ! مُقترحاً عليها تمثيل بطولة الفيلم معه ؟

الكاتبة بارتباك : صحيح انني احفظ السيناريو عن ظهر قلب ..وجعلت البطلة تُشبهني بالطباع والشخصيّة.. لكني لم أمثّل بحياتي !

البطل : اذاً دعينا نختار أصعب مشهدٍ بالفيلم .. وإن نجحتي به (حسب رأيّ المخرج) تُكملين بقيّة الفيلم معي.. وإن وجدّت صعوبة بتمثيل المشهد ، نبحث عن غيرك .. ما رأيك ؟

الكاتبة : اساساً فيلمي يعتمد على العفويّة ، فهو عن يوميات شخصيّن عالقيّن بجزيرةٍ نائيّة بعد تحطّم طائراتهما .. لهذا لم اشترط بالعقد : حفظك الحرفي للنصّ ، يكفي شعورك بمضمون الأحداث 

- اذاً اتفقنا .. سآتي غداً صباحاً ، لأخذك لمكان التصوير 

***


وبالفعل ذهبت معه الى منطقةٍ ساحليّة تركيّة (لإيهام الجمهور انهما بجزيرةٍ مُنعزلة)

حيث تضمّن المشهد لبس البطل (القاسي الطباع منذ بداية الفيلم) فستاناً وجده على الشاطىء (بعد خروجه من احدى حقائب المسافرين الغارقة) ولبسه مضّطراً بعد غسل ملابسه !


فطلبت الكاتبة من المخرج بعدم رؤيتها الممثل بالفستان إلاّ لحظة تصوير المشهد ، لكيّ تكون ردّة فعلها طبيعيّة..


وبالفعل بدأ المشهد : وهي تنحت غصن شجرة بحجرةٍ مُسنّنة ، لتحويله لرمح صيد السمك.. والبطل يناديها من الخلف ، وهو يقول :

- إيّاك أن تضحكي عليّ !!


وما ان التفتتّ ، ورأته بفستان النوم الأزرق .. حتى ضحكت الكاتبة ملء شدقيّها ، بلقطةٍ عفويّةٍ رائعة .. جعلت المخرج يصرّ على تمثيلها كل الفيلم

***


وبعد عرض الفيلم بصالات السينما .. حصل على جائزة افضل فيلم رومنسي طريف ، اعجب النقّاد والمشاهدين .. خصوصاً شخصيّة البطليّن المتقاربة.. رغم قلق الكاتبة من نقد الجمهور الذين تمنّوا زواجه الحقيقي من بطلة مسلّسله القديم ، والتي حضرت حفل التكريم وهي تكتم غيظها بعد نجاح الفيلم الذي رفضته ..بعكس مسلّسلها الذي حصل على إنذار بوقف تصويره ، لقلّة مشاهديه !

***


وبعد عودة الكاتبة الى بلادها.. تفاجأت باتصال من البطل (بعد شهرين على غيابها) ليخبرها باشتياقه لرؤيتها ! وسؤالها عن موعد عودتها لتركيا؟!

فردّت الكاتبة بإحراج : احتاج سبباً مهمّاً للعودة

- ما رأيك بزواجنا ؟

فسكتت قليلاً بخجل ، قبل ان تقول : 

- اذاً تعال انت واهلك الى بلادي ، للحصول على سياحةٍ رائعة .. وبعد تعرّف العائلتيّن ، نتناقش إن كان زواجنا ممكناً او لا

***


وبالفعل قضت عائلة البطل اجمل اسبوعيّن في البلد العربي.. وبعدها تمّ الزواج بسهولةٍ ويسر .. وتعود الكاتبة معه ، كعروس الى تركيا.. 


وقد ضجّ خبر زواجه ، الصحافة ووسائل التواصل الإجتماعي .. الى ان وصل لمسامع البطلة السابقة التي تعاني من جفاء البطل الجديد معها بالكواليس ! والتي باركت زواجهما وهي تكتم غيظها على تفويتها الفرصة ، بعد ان كان هائماً بحبها


وعندما تكلّمت مع العروس لتبارك لها ، ردّت الكاتبة : 

- كنت كتبت الفيلم خصيصاً لكما ، لأنني كما الجمهور التركي والعربي اردّت زواجكما بعد مسلّسلكما الناجح.. لكن يبدو للقدر رأياً أخراً! 

البطلة السابقة : انت استحقيّته اكثر مني.. رجاءً إنتبهي عليه ، فهو جدير بكل خيرٍ وسعادة


ثم أغلقت المكالمة وهي تشعر بالندم على خسارتها لحبه الصادق .. الذي من الصعب إيجاد مثيلاً له ، في مهنتها الفنيّة المليئة بالنفاق والفسوق !


السبت، 24 مايو 2025

الروح البائسة

تأليف : امل شانوحة 

 

هدفٌ للحياة


((ثمانية مليارات نسمة بهذا العالم .. وانا اعيش وحيداً بغرفتي الكئيبة ، بنزلٍ رخيص بحيّ المجرمين ! لا احد يهتم إن بقيت حيّاً او ميتاً ، ولا أثرٌ حميد أتركه بهذه الدنيا .. وإن واجهت مشاكل ، فلا اجد من يواسيني او يساعدني بحلّها .. 

مُكتئب بشدّة ، رغم ان الليلة هو عيد ميلادي الثلاثين الذي لم يحضره احد من زملائي في العمل ، حتى عامل نظافة الفندق (الذي انا فيه) إعتذر عن الإحتفال معي ! 

وقبل ايام .. عانيّتُ من حمّى قوية ، أشعرتني بقرب أجلي.. لكن الأشد إيلاماً من المرض ، هو المعاناة وحدي .. حتى عندما تخرّجت من الثانويّة بظروفٍ صعبة ، لم اجد من يبارك لي .. فوالدتي أهدتني اغرب هديّة بعد بلوغي سن ١٨: شنطة ملابسي ، وأوراقي الرسميّة .. قبل ان تطردني من منزلها ، وهي تخبرني : بأنها لم تعدّ مسؤولة عني ، بعد بلوغي السن القانونيّة .. وكل هذا لإحضار حبيبها السكّير الى غرفتي ! وبالكاد تخرّجت ، وانا مشرّد بالشوارع .. اعاني من تنمّر زملائي على رائحتي وثيابي القذرة .. وبسبب توقف امي عن دفع مصروفي ، لم استطع إكمال دراستي والإلتحاق بالجامعة .. واضرّرت للعمل كعامل توصيلات (دليفري) في السوبرماركت.. وبراتبي البسيط ، تمكّنت من إستئجار غرفة مليئة بالحشرات والرطوبة ، بحيّ يعجّ بالعصابات والمخدرات والملاهي الليليّة ! وقد حاولت الإنتحار مراراً .. لكني لم انجح كالعادة ، فأنا انسانٌ فاشلٌ بامتياز.. ولم يعد امامي سوى انتظار القدر ان يُنهي حياتي ، وأتمنى ان يحدث ذلك قريباً))

ثم وضع اريك قلمه جانباً ، مُغلقاً دفتر الذكريات الذي يشكي فيه همّه من وقتٍ لآخر


وقبل استسلامه للنوم من شدّة التعب (لعمله دواميّن بالسوبرماركت ، حتى لا يبقى وحيداً لوقتٍ طويل) سمع طلقاتٍ ناريّة ، قادمة من آخر الحيّ.. وهي عادة تحصل بنهاية كل شهر ، عندما يقوم المجرمون بسرقة رواتب الفقراء في المنطقة الشعبيّة .. حتى انه تعرّض للسرقة اكثر من مرة.. وفي كل مرة يشكر ربه انه وصل الى غرفته سالماً ، دون إصابته برصاصةٍ طائشة.. لكن يبدو انه بهذه الليلة وصل اليأس الى ذروّته ، جعله ينهض من فراشه .. للخروج من غرفته ليلاً ، باتجاه الحيّ الأخطر في المنطقة !


ليس هذا فحسب ، بل تعمّد عدّ نقوده القليلة (التي لا تتجاوز المئة دولار ، بعد دفعه اجرة غرفته) اثناء عبوره الشارع.. على امل تعرّضه للسرقة والقتل ، للإرتياح من حياته الصعبة !

^^^


وماهي الا لحظات .. حتى خرج شابٌ يافع (مُنتمي لعصابة الشوارع) وهو يلوّح بسكينته الحادّة ، آمراً بإعطائه المال..

فأصرّ اريك على الرفض ، كيّ يثير غضبه ويقتله


وهذا ما حصل .. فقد طعنه الشاب في خاصرته ، وسرق ماله .. هارباً بأسرع ما يمكنه ، لوكر عصابته ..

بينما صرخ اريك بألم ، ليس طلباً للنجدة .. بل مُنادياً السارق بعلوّ صوته :

- رجاءً إطعني بالقلب !! لما لم تُجهز عليّ ؟! تعال واقتلني !! ليس لديّ عائلة لتقاضيك .. رجاءً خلّصني من حياتي البائسة !!!!


لكن تخطيطه للإنتحار ، فشل كما المحاولات السابقة ! لهذا فضّل البقاء مستلقياً في بركة دمائه دون إصدار صوت ، فوق رصيف احدى الشوارع المظلمة .. 

^^^


الى ان مرّت دوريّة شرطة بعد ساعة ، لتجده على حافّة الموت ! فسارع احدهم بالإتصال بالإسعاف .. بينما حاول الشرطي الثاني الضغط على جرح اريك ، لوقف النزيف .. وهو يقول :

- لا تستسلم !! حاول مقاومة اوجاعك .. سننقذك بعد قليل

اريك بصوتٍ متعب : لا رجاءً ، لا تساعدني !!

فقال الشرطي الثاني بدهشة : يبدو انه أصيب بصدمةٍ نفسيّة !

الشرطي الأول معاتباً اريك : 

- جوالك واقعاً امام يدك ، لما لم تتصل بالإسعاف قبل ان يتصفّى دمك؟!

اريك باكياً : لأني اريد موت !! رجاء إذهبا ، ودعاني وحدي

لكنهما أصرّا على حمله ، ووضعه بسيارة الإسعاف

^^^


وفي طريقه للمستشفى .. حاول المُسعفان إيقافه عن إزالة قناع الأكسجين ، بعد رفضه العلاج بما تبقّى من قوّته ! مما أجبرهما على حقنه بالمخدّر


عندما وصلوا للمستشفى .. أخبر المسعف الطبيب عن حالة اريك الغريبة ، ورغبته الجادة بالإنتحار !

***


وفي المساء .. دخلت الممرّضة (اليافعة) الى غرفته ، لتجده يحاول إزالة المصل ! فأوقفته بصعوبة ..

وكان على وشك دفعها ، للهرب من المشفى.. لكنه تجمّد ، فور رؤية جمالها الناعم وهي تسأله بدهشة :

- لما تصرّ على الموت ؟! رجاءً إخبرني قصتك ، لربما استطعت مساعدتك


وبعد ان هدأ قليلاً ، وافق على مشاركتها همومه التي بدأت منذ إنجابه من علاقةٍ عابرة .. تسببّت بانفصال امه عن عائلتها ، بعد رفض والده تحمّل مسؤوليّته ! وأخبرها كيف عاش مع والدته ١٨ سنة ، وهي تلومه على تدمير حياتها ..وكأنه هو من أجبرها على الحمل دون زواج ! ثم حدّثها عن حياة التشرّد.. ومتاعب العمل والفقر المستمرّ ، والوحدة القاتلة


فقالت له :

- غريب ! ظننت انني وحدي عانيّت من هذه الأمور

اريك باهتمام : ماذا تقصدين ؟!

الممرّضة بحزن : انا ايضاً تركت منزل ابي بسن ١٨.. ليس طرداً ، بل بإرادتي بعد أن خيّرني والدي : ان اصبح خادمة لعروسته اللئيمة التي عاملتني بحقارة ، او الخروج من منزله !

- وكيف أكملت تعليمك ، الى ان أصبحتي ممرّضة ؟!

- كنت حاصلة على منحةٍ دراسيّة في الثانويّة .. وقد وافق مدير المعهد على عملي في المكتبة ، مقابل اجرة غرفتي بسكن الطلاّب.. وبعدها انتقلت للسكن هنا ، في مكتبي بالمشفى

فتنهّد اريك بقهر : صعبٌ جداً ان لا تجدين من يشاركك فرحك او همومك

- هذا صحيح


ثم سألته :

- هل تحب عملك كدليفري سوبرماركت ؟

- لوّ كنت احبه ، لما حاولت الإنتحار اكثر من مرة

الممرّضة : اذاً ما رأيك لوّ تعمل هنا ؟ فنحن بحاجة لشخص يوصل الجثث للمشرحة بقبوّ المستشفى

- واين العامل القديم ؟!

- هرب بعد سماعه لجثةٍ تتحدث اسفل ملاءتها البيضاء

اريك بصدمة : وهل فعلاً تكلّمت الجثة ؟!

- كان خطأ بتشخيص حالة العجوز .. فقد عدّها الطبيب ميتة ، بعد تعرّضها لأزمةٍ قلبيّة .. وبعد تعويضها مالياً ، عادت الى اهلها عقب تلقّيها العلاج.. ومع ذلك رفض العامل إكمال وظيفته ، بعد ان اوشك على الموت رعباً من تلك الحادثة


اريك باهتمام : ولما اخترتني لهذه المهمّة ؟

الممرّضة : لأنه من يقوم بعدّ ماله في حيّ العصابات بغرض الموت ، لن يخاف من الجثث المتحلّلة 

- لم يكن عملاً بطوليّاً ، بل هو من شدّة يأسي وإحباطي.. بعد فشلي بالإنتحار ببلع حبوب الأدوية ، عقب تقيّئي السم .. وانقطاع حبل المشنقة اكثر من مرة ..ففكّرت بأن أدع مجرماً يأخذ روحي.. لكن يبدو انني منحوس بكل شيء !

الممرّضة : لا تيأس هكذا من الحياة.. جرّب العمل عندنا اولاً ، لربما أصبحنا اصدقاء

بدهشة : أحقاً ستكونين صديقتي ! فأنا لم يكن لديّ صديقة طوال حياتي

- ولا انا ، فقد كرّست كل وقتي للدراسة والعمل

فمد يده :

- اذاً صافحيني ، وانت تعاهدينني بالصداقة .. وبدوري اعدك بأن لا افكر بالإنتحار ثانيةً

فصافحته وهي تقول بابتسامة :

- اعدك بذلك ، يا زميل العمل

***


وبالفعل عمل اريك في المستشفى بنشاطٍ مضاعف عن عمله السابق ، جعلت الأطباء يعتمدون عليه بالكثير من الأعمال : كإحضار الأمصال من صيدليّة المشفى او اكياس الدم وأنابيب الأكسجين ، وحتى إحضار الطعام لهم من داخل او خارج المشفى

أما أوقات فراغه ، فقضاها بالتحدّث مع صديقته الممرّضة (كلما تفرّغت له) 


ومع مرور الوقت .. ظهر المزيد من القواسم المشتركة ، ممّا وطدّ العلاقة بينهما

***


الى ان تجرّأ ذات يوم ، على الجثو على ركبته (بفرصة الغداء) وهو يرفع خاتم الخطوبة بيده المرتجفة .. قائلاً بارتباك :

- إن رفضّتني ، فلن تريني ثانيةً .. لأنني سأكون بالجحيم .. أمّا ان وافقتي ، فستعيشين معي بجنةٍ دائمة .. اعدك بذلك ، يا حبيّ الوحيد

ففهمت انه سيحاول الإنتحار ثانيةً ، من رجفة جسمه الواضحة ..كأنه يعتبرها فرصته الأخيرة للحياة !


لتفاجئه بردّة فعلها ، مع كل المتواجدين بالكافتريا .. باحتضانه بحنان وهي تقول :

- بالتأكيد موافقة ، يا حبيّ الأول والأخير

وسط تصفيق الأطباء والممرّضين لهما

***


وبعد عام ، كانا سعيدان برؤية طفلهما الأول.. حين امسك يدها وهي تُرضع طفلها في غرفة المشفى بعد ولادتها :

- عديني حبيبتي .. ان نكون لهذا الصغير ، افضل ام واب بالعالم

زوجته : حتماً لن نكون كأبي وأمك.. بل سنغرقه حباً ودلالاً

- لكن لا تدلّليه كثيراً ، حتى لا أغار منه

- لا تقلق ، فحبي وعطفي يكفيكما انتما الأثنيّن

اريك : وبدوري اعدك الإعتناء بكما ، لأن سعادتكما هي هدفي الأسمى بالحياة


واحتضن زوجته وطفله بحنان.. 


الأربعاء، 21 مايو 2025

احتلال العالم

فكرة : باسم الفيل
كتابة : امل شانوحة 

السلاح الفتّاك


بعد اشتداد الحصار على فلسطين ، ورضوخ الدول العربيّة المجاورة للقرارات الأمريكيّة.. فاجأت الصين العالم بإرسالها المساعدات الإنسانيّة لغزّة عن طريق طيرانها فوق الأراضي المُحتلّة ، خارقةً بذلك الإتفاقات الدوليّة ! مما اثار غضب الحكومة الأمريكيّة التي اعلنت جهوزيّتها للقيام بحربٍ عالميّة مع الصين


وفي المقابل .. جهزت الصين عتادها العسكري المؤلّف من سفينةٍ ضخمة (حاملة الطائرات الحربيّة) ودبّابات وراجمات الصواريخ.. وجيشٌ برّي وصل عددهم الى ٥ الآف جندي.. بينما تُحضّر الدفعات الأخرى ، ليصل عدد المشاركين من جيشها بهذه المعركة المصيريّة الى مليونين من الخدمة النشطة ! عدا عن جنود الإحتياط الذين طُلب منهم ان يكونوا على أهبّة الإستعداد للمشاركة ، حسب نتائج المعارك الأولى من الحرب القادمة 


وأرسلت الصين الدفعة العسكريّة الأولى عبر البحر باتجاه اميركا .. وسط توقّع المحلّلون السياسيون حدوث الأسوء ، وتأثير حربهما على العالم اجمع!

^^^


وقبل وصول قوّة الجيش الصيني الى الشواطىء الأمريكيّة ، تفاجأ قبطان السفينة الحربيّة (التي تنقل الطائرات والمدرّعات والجنود) بضبابٍ كثيف ، حجب الرؤية تماماً ! مما منع طائراتهم من التحليق (كما هي الخطّة العسكريّة التي اتفق عليها قادة الوطن)


وسرعان ما اختفت اعظم قوّة عسكريّة من الخريطة الإلكترونيّة بشاشات المراقبة للجيش الأمريكي الذين ارسلوا طائرات (دون طيّار) لاستكشاف آخر موقعٍ ظهروا فيه قبل اختفائهم ، والذي يبعد ميلاً واحداً عن شاطئهم .. لكنهم لم يجدوا اثراً لهم ! 


فأعلن الرئيس الأمريكي للعالم : بأن الربّ حمى شعبه عن طريق تدميره عتاد العدوّ بطريقته الإلهيّة الخارقة ، دون وجود تفسيرٍ علميّ او منطقيّ لما حصل !

***


في العالم الموازي : ظهر الشاطئ من بعيد للقوّة الصينيّة بعد انحسار الضباب .. فعادوا لتحريك سفينتهم باتجاه اميركا


وبعد رسوّها على الشاطىء .. قرّر قائدهم : بعدم إعطاء الأوامر لطيرانه الحربيّ بالتحليق فوق المناطق المُستهدفة ، او إنزال دبّاباته وأفراد جيشه من السفينة .. قبل إرساله طائرة درون ، لاستكشاف المكان .. 

^^^


وبعد ساعة .. ذُهل القادة العسكريين مما شاهدوه على شاشة سفينتهم ! فهم بمكانٍ نائي أشبه بقريةٍ ساحليّة بأكواخها المُتهالكة ، دون وجود معالم للحضارة الحديثة !


فقال قائد الجيش الصيني : 

- مستحيل ان تكون هذه اميركا !

ضابط : هل ممكن ان الضباب حرف سفينتنا باتجاه المكسيك ؟ 

القائد : الا ترى اشكال الأهالي ؟ هم بيض البشرة ، كأنهم اوربيّون !

- مستحيل ان نكون انحرفنا نحو اوروبا ، خلال النصف الساعة التي عشناها بتخبّطٍ في الضباب.. ثم الأوربيّون على علم بطائرات درون.. اما هذا الشعب الهمجي فخائفٌ منها لدرجة رميهم الأحجار عليها ، كأنها حشرةً ضخمة ! 

القائد : علينا إرسال احد ، لسؤال الشعب عن البلد التي رسوّنا فيها

- حسناً ، سأرسل جندياً يتكلّم ست لغات..

وارسلوه بجيبٍ عسكريّ.. 

^^^


ليعود بعد ساعتين ، وهو مُنصدم مما سمعه !

القائد : لما تأخّرت كل هذا الوقت ؟

الجندي : سيدي ، لن تصدّق ما أخبروني به  

الضابط : أعطِنا مُلخّص رحلتك

الجندي : في البداية ، ذهلوا كثيراً برؤية آسيوي بينهم .. خاصة ان زيّ العسكري يبدو لهم من المستقبل ! وجيد انني اتقن اللغة اليونانية لأفهم من كلامهم : اننا لسنا في اميركا ، بل في مقدونيا عام 334 قبل الميلاد

الضابط : قبل الميلاد ! انت تمزح طبعاً 

الجندي : لا سيدي .. سألت تقريباً جميع نساء وعجائز القرية ، وكلّهم أجمعوا على ذات التاريخ !

القائد : أظنها لعبة من الأمريكان لتضليلنا

الجندي : يمكننا التأكّد من المعلومة ، في حال توجّهنا الى نهر الغرانيكوس في تركيا ، وأظنه يُسمّى في زماننا بنهر بيجا


الضابط باستغراب : وما دخلنا بتركيا ؟!

الجندي : لأن قائدهم الإسكندر المقدوني بالوقت الراهن ، يحارب هناك مع شبابهم ورجالهم  

الضابط : حسب ما قرأته .. هي اولى معارك الإسكندر الكبرى التي انتصر فيها ، قبل احتلاله العالم ! 

القائد بحماس : أتدرون ماذا يعني هذا ؟ 

فسكت الضابط والجندي ، ليُكمل القائد قائلاً :

- يعني اننا نملك اقوى سلاح بهذا الزمن !!

الجندي بقلق : وهل مازالت اسلحتنا تعمل هنا ؟!


فطلب القائد منه إخراج مسدسه ، وإطلاق النار على شجرةٍ بعيدة .. ففعل الجندي ذلك ..

الضابط : يبدو انها تعمل جيداً !

القائد : ماذا عن صواريخنا ، هل مازال عددها كاملاً في السفينة ؟

الضابط : قمنا بتقسيمها على دبّاباتنا بعد انحسار الضباب ، وكل شيءٍ مازال في مكانه .. لكن ماهو قصدك ، سيدي ؟! 

القائد : يمكننا تغيير التاريخ بجعل الصين تحتلّ كل بلدان هذا العصر ، وبزمنٍ قياسيّ .. فهم سيحاربوننا بالسيوف والأسهم الخشبيّة ، بينما نستطيع القضاء على دولٍ بأكملها ، من خلال قصفها بطائراتنا الحربيّة

الضابط : أفهم من كلامك ، سيدي .. انك تريد إحتلال الدول ، قبل ان يفعلها الإسكندر المقدوني ؟!


القائد بحماس : نعم !! لندع الصين تحكم العالم ، وبذلك يتغيّر مستقبلنا ..وربما تصبح عملتنا (يوان) اقوى من الدولار بكثير .. اساساً لن يكون هناك اميركا ، في حال رمينا قنبلتنا النوويّة فوق الهنود الحمر .. ولوّثنا مزروعات وأنهار تلك الدولة بالكامل ، لتصبح غير قابلة للعيش حتى في زمننا الحديث 

الضابط : الم يأمرنا زعيمنا بعدم استخدام القنبلة النوويّة إلاّ في الحالات القصوى ؟! 

القائد بعصبيّة : الا يعتبر تدمير اميركا التي تصرّ على التدخل بشؤون الدول الأخرى ، حالةً قصوى لرميّ القنبلة والتخلّص من وجودها اللعين للأبد ؟!!


ثم قال للضابط :

- هيا ماذا تنتظر ؟! إذهب لتجهيز جنودنا !! فنحن سنتوجه بسفينتنا مباشرةً لتركيا ، للقضاء على الفريقيّن المُتحاربيّن .. ثم نبدأ باحتلال الدوّل ، الواحدة تلوّ الأخرى .. وإثارة رعبهم ، بعد تناقلهم خبر القنبلة النوويّة التي سنلقيها بنهاية المعارك .. ولنعتمد على الطيران والمظلّيين لإفزاعهم .. فنحن بزمنٍ لا يعرفون فيه ، انه بإمكاننا التحليق بالسماء كالطيور .. وسيعتبروننا نوعاً من الجن والشياطين ، مما سيسهّل إحتلال العالم 

^^^


وبالفعل ضجّت اخبار العالم القديم بتلك الأحداث المفاجئة ! حيث تناقل الملوك الرسائل المكتوبة على اوراق البردى ، مُحذّرين من الزحف العسكري الصينيّ نحو بلادهم 


ولم تمضي ثلاثة شهور ، حتى احتلوا العالم اجمع .. حيث اعلن ملوك الدول إستسلامهم للقائد الصيني بوقتٍ مناسب بعد نفاد وقود طائراته وسفينته الحربيّة ، بما فيها الدبّابات والراجمات ! بالإضافة لاستخدام جنوده لجميع القنابل الكبيرة واليدويّة وذخائر الرصاص.. 

لهذا هدّد جنوده الصينيين بقتلهم جميعاً ، في حال سرّب أحدهم تلك المعلومات للدول المهزومة .. خوفاً من إنقلابهم عليهم (بعد نفاد ذخيرتهم) مما سيجبرهم على محاربتهم بالأسلحة البدائيّة التي لا يملكون خبرةً فيها .. وهذا سيعرّضهم لهزيمةٍ مُخزيّة لإمبراطوريّتهم الجديدة ! 

^^^


وبسبب قتل الجنود الصينيين لمعظم رجال العالم القديم ، لم يعد هناك مزراعين ورعاة .. مما اهلك الزرع والمواشي ، مُسببين بمجاعةٍ عالميّة ! 


لهذا اضّطر الجنود الصينيين (وكذلك جنود الدول الأخرى) لسرقة المنازل ، بحثاً عن الطعام .. الى ان وصل اليأس والجوع بهم ، لخطف الأولاد وشوائهم ! فهرب الناس للكهوف بإعالي الجبال .. كما اختبئوا بحفرٍ عميقة اسفل الغابات ، خوفاً من الأكل حيّاً من قبل الجنود الجائعين !


حتى وصل الحال ، لقيام الجنود الصينيين بأكل زملائهم الجرحى (من المعارك السابقة)

مما احزن قائدهم ، الذي تساءل بضيق : 

- هل نحن فعلاً يأجوج ومأجوج المذكورين بالكتب السماويّة ؟!


وهنا دخل الضابط الى غرفة القائد بالسفينة ، مُعترضاً على الوضع السيء الذي وصلوا اليه : 

- سيدي !! هل سنبقى عالقين بهذا الزمن الكئيب ، الى ان نأكل بعضنا البعض ؟! علينا العودة الى حياتنا السابقة بأسرع وقتٍ ممكن

القائد : المشكلة اننا لا نعرف الطريقة !

الضابط : بنفس الطريقة التي وصلنا بها الى هنا .. أقصد بواسطة دراسة الطقس بأجهزتنا الحديثة ، للبحث عن أيّ ضبابٍ في البحر نقوم بخرقه بسفينتنا .. فربما بذلك نعود من حيث اتينا

- انت تعلم جيداً ان وقود سفينتنا انتهى قبل اسابيع 

- اذاً نجذّف بقواربنا المطاطيّة نحو الضباب.. لا حلّ آخر امامنا

***


لكنه لم يظهر ايّ ضباب على شاشتهم ، الا بعد شهرٍ آخر من المجاعة.. مما ادّى لموت معظم الجنود الصينيين جوعاً او قتلاً !


وبالكاد هرب القادة الكبار بقاربٍ مطاطيّ باتجاه ضبابٍ لا يبعد كثيراً عن إحدى الشواطئ !

^^^


وفي بحرٍ هائج .. كان القادّة الخمسة مُتعبين من الجوع ، ومن التجذيف المستمرّ.. الى ان رأوا (بعد ساعات وهم يصارعون الأمواج) ضباباً كثيفاً .. لكنه لم يعد لديهم قوّة للتجذيف ، رغم ابتعاد الضباب عنهم بضعة امتارٍ قليلة !


فرفع القائد مسدسه بوجه ضبّاطه الأربعة ، مُهدّداً :

- ستجذّفون غصباً عنكم ولآخر نفس ، حتى نتمكّن العودة الى عالمنا!!

ضابط ساخراً : أستهدّدنا بمسدسك الفارغ ؟

فأطلق القائد رصاصة بالسماء ، ارعبتهم :

- انا لم استخدم سلاحي بعد ، ولا أُمانع إفراغه في رؤوسكم الغبيّة!!


فجذّفوا مُرغمين بما تبقى لهم من قوّة ، الى ان اخترقوا الضباب اخيراً.. حينها أُغمي عليهم جميعاً ، وتساقطوا نياماً وسط قاربهم المطاطيّ !

***


عندما استفاقوا في الزمن الراهن .. وجدوا اطباء خفر السواحل يحاولون إنعاشهم ، ووضع الأمصال لهم !

وسمعوا احدهم يسألهم : منذ متى وانتم عالقون بالبحر ؟!

القائد وهو ينظر حوله ، بذهنٍ مُشتّت : 

- اين نحن ؟!

الممرّض : على الشاطئ الأمريكيّ .. هل انتم مهاجرون غير شرعيّون ، ام ضبّاط صينيون ؟!


فخاف القائد من إرسالهم للتحقيق ، فنفى قائلاً : 

- لا !! لسنا ضباطاً .. هذه الثياب وجدناها بسفينةٍ عائمة وسط البحر ! بعد ان تسابقنا بالسباحة ، مُبتعدين كثيراً عن الشاطئ

الطبيب : يعني انتم تعيشون في اميركا ؟

القائد بارتباك : نعم !! من سكّان الحيّ الصيني المعروف بمطاعمه..

الطبيب مقاطعاً : اذاً سنعالجكم الآن ، ثم تذهبون حيثما شئتم

***


وبعدها اجتمع القائد مع ضبّاطه الأربعة في إحدى المطاعم الأمريكيّة السريعة ، وهم يستمعون للأخبار التي تُعرض على التلفاز : 

عندما أكّد الرئيس الأمريكي فوزه بالحرب ، بعد غرق الدفعة العسكريّة الأولى للصين .. ممازحاً الصحفيين :

- كنت متأكّداً أن سفينتهم الضخمة ستغرق بما فيها ، فهي بالنهاية صنع الصين

وضحك الصحفيّون..


بينما كتم القائد والضبّاط الصينيين غضبهم بصعوبة ! قبل ان يتساءل احدهم بصوتٍ منخفض : 

- سيدي ، هل نخبر قادتنا بما حصل ؟

القائد : لا طبعاً .. لا احد سيصدّق ما حصل معنا ، والأفضل إعتقادهم بغرقنا مع بقيّة الجيش 


ليسمعوا الرئيس الأمريكي يُكمل قائلاً (بمقابلته الصحفيّة) : 

- على زعيمهم الإقتناع باستحالة إحتلاله العالم ، كما فعلوا في القرون الماضية .. والتي انتهت بموت ملايين الناس ذلك الزمن بما فيهم جنودهم ، بسبب المجاعة العالميّة التي تعتبر الأسوء بتاريخ البشريّة 


الضابط بذهول : هل سمعتم ؟! نحن احتتلنا العالم بالفعل !

القائد بفخر : أخبرتكم انه بإمكاننا تغيير التاريخ !! 

الضابط الآخر بإحباط : وما نفع ذلك ، إن فشلنا بمهمّتنا الحالية

القائد : لا يهم ، طالما أعطينا لأولادنا ماضياً مُشرقاً

الضابط الثالث بضيق : دعونا من إنجازات الماضي .. المهم الآن !! ماذا سنفعل لإكمال حياتنا ؟! 

القائد : سنعيش هنا ، لا حلّ آخر امامنا


وأكملوا سماع الأخبار المُستفزّة بصمت..

***


وفي الشهور التالية .. تمكّن الاسرائيليون من ترحيل ما تبقّى من الفلسطينيين الى مصر والأردن ! حيث شاهد العالم إحتفال اليهود ببدء مشروعهم ، ببناء هيكل سليمان على انقاض القدس.. 


ورغم حزن المسلمون في كل العالم إلاّ انهم عجزوا عن فعل شيء ، بعد فشل آخر فرصة للقضاء على الجبروت الأمريكي والإسرائيلي ، عقب الإختفاء المُفاجئ للجيش الصيني في البحر !

^^^


واثناء حزن القائد وضبّاطه (في المقهى الأمريكي) على الأحداث الأخيرة ، إنتبهوا بأن النادل عربي يتابع عمله بشكلٍ عاديّ .. فسألوه:

- ألست حزيناً لما حصل ؟!

النادل : بل ومقهور ايضاً .. لكننا نعلم جيداً : بأن وصول اسرائيل لذرّوة قوتها ، تعني نهايتها

القائد : اذاً إجلس ، واخبرنا توقعاتك

النادل : ليست توقعاتي ، بل علامات الساعة التي أخبرنا بها النبيّ محمد عليه السلام .. فنحن سنفوز عليهم ، بقيادة المسيح عيسى

الضابط بدهشة : اذاً انتم تؤمنون كالمسيحيين ، بعودته للحياة من جديد ؟!

النادل : هو لم يمت اصلاً ، بل صعد للسماء .. وسينزل آخر الزمان ، بعد توحيده الأديان

القائد : وهو من سيقضي على اليهود ؟!

النادل : بقيادته لجيشٍ من المؤمنين الذين سيذبحونهم كالخراف.. لهذا نحن مُتفائلين على قربنا من النصر الكبير

ثم ودّعهم ، لمتابعة عمله..


القائد : كنا نريد مساعدة العرب للقضاء على دكتاتوريّة امريكا الداعمة لإسرائيل ، لكن يبدو ان ايمانهم كافياً للحصول على النصر !

الضابط : وماذا بشأننا نحن ؟!

فتنهّد القائد بضيق : لنفترق ، كلاً يجد عملاً للصرف على نفسه ..لأنه لا يمكننا الإستمرار باستعطاف الجمعيات الخيريّة للمشرّدين طوال حياتنا  

- معك حق ، سيدي  

القائد : اساساً عودتنا للصين ، ستفتح علينا ابواب التحقيقات الوطنيّة والعالميّة ، لمعرفة ما حصل لجيشنا .. وانا لا اريد خسارة ماضينا المُشرّف ، كما خسرنا مستقبلنا 

- أتدرون يا اصدقاء .. سعيد باحتلالنا العالم ، ولوّ بالعالم الموازي !


ثم ودّعوا بعضهم .. للبحث عن عملٍ ثابتٍ في اميركا التي كانت يوماً هدفهم بالقضاء عليها ، وتخليص العالم من شرورها !


السبت، 17 مايو 2025

الحب الضائع

تأليف : امل شانوحة 

الأميرة المتواضعة


تعرّفوا عليها ككاتبة مسلّسلهم التي لازمت فريق التصوير ، لإخراج قصّتها بأجمل طريقةٍ ممكنة.. حيث اعتادوا على سهرها كل ليلة ، لتصليح وإضافة بعد المشاهد الى مسلّسلها الذي حصد إعجاباً جماهيريّاً ، مُطالبينها بمواسم جديدة


ومنذ يومها الأول مع فريق العمل ، أُعجبت الكاتبة روان (العشرينيّة) بالمخرج (عماد) الذي يُشابهها بتفانيه بالعمل.. ورغم انه يكبرها ب 15 سنة ، الا انها وجدت فيه مبتغاها ومطلبها .. فوالداها منفصلان منذ طفولتها ..وبعد الطلاق ، تزوّجا من جديد.. بينما عاشت روان مع جدتها (القابلة القرويّة) 


وعندما اصبحت بالجامعة ، إنتقلت لسكن الطلاّب بالعاصمة.. وبعد تخرّجها من القسم الأدبيّ ، عملت على تطوير موهبتها الكتابيّة .. الى ان وجدت مُنتجاً لمسلّسلها الأول ، من بين قصصها الكثيرة التي ألّفتها منذ مراهقتها 


ورغم محاولة والدها إعادتها الى منزله ، إلاّ انها فضّلت السكن وحدها ..فهو معروف بقوانينه الصارمة التي لا تناسب روحها المرحة وطموحها السينمائيّ

^^^


ما أحزنها حقاً : هو ان المخرج عماد لم يُبدي إهتماماً بها ، رغم جمالها وروحها البريئة ! التي جعلت فريق العمل يجتمع كل مساء ، لسماع حديثها الشيّق عن افكارها الأدبيّة (بعد انتهاء تصويرهم للمشاهد اليوميّة) .. حتى انها فاجأتهم بطبخها اللذيذ ، خلال سهرهم بالتصوير الليليّ


ورغم اعتيادها على شرب قهوتها الصباحيّة مع المخرج ، الا انه عاملها كغيرها دون تميّز او اهتمام ، رغم ان جميع لاحظ إنجذابها له !

***


وفي إحدى الحلقات .. أحضروا طفلاً رضيعاً ، لظهوره في بعض المشاهد

وفي ظهر ذلك اليوم (اثناء نومها القيلولة ، بعد كتابتها طوال الليل) عجزت والدة الطفل عن إسكاته.. فخرجت روان من غرفتها ، بعد ان أيقظها صراخه.. وحملته من الأم ووضعته على ركبتها ، وهي ترفع قدميه .. الى أن هدأ تماماً ، ثم أعادته لأمه وهي تقول :

- كانت جدتي قابلة قانونيّة ، وهي علّمتني ان بكاء الطفل المُتقّطع يعني ان بطنه مليء بالغازات .. لا تقلقي ، سينام الآن دون مقاومة


ثم نظرت الى فريق العمل الذين كانوا متفاجئين برؤيتها بالبيجاما لأول مرة ، قائلةً بنعاس :

- أراكم عصراً .. تصبحون على خير


وصعدت الى غرفتها بالطابق العلويّ من القصر (الذي يصوّرون فيه المسلّسل) ليلاحظ الجميع شعرها الطويل المتموّج الذي يصل الى خاصرتها ! وهي المرة الأولى التي يرونه ! فهي اعتادت (منذ سكنها معهم) على رفعه ، وإخفائه اسفل قبعتها الرياضيّة


فقال احدهم بدهشة : ارأيتم شعرها ؟!

- انه اجمل شعر رأيته بحياتي ! كل خصلة بلون ..أهو طبيعي ام صبغة ؟!

- لا اظن روان من النوع التي تهتم بجمالها ، رغم خلوّ وجهها وجسمها من العيوب ! 

- هي بالفعل مُهملة بنفسها .. ولوّ اهتمّت قليلاً ، لربما أصبحت بطلة لإحدى قصصها

- ترى لماذا كل هذا الإهمال ؟! وكأنها تتعمّد ان لا تلفت انظار الناس لها !

***


لم تمضي ايام ، حتى عرفوا الإجابة على اسئلتهم .. بعد دخول ثلاثة سيارات فخمة ومظلّلة الى حديقة القصر ..

لتنزل سيدة ومعها امرأتيّن (إحداهن مُصفّفة شعر .. والأخرى خيّاطة ، تحمل فستاناً داخل غلافه الجلديّ) من إحدى السيارات .. ودخلن القصر ، وهن يسألن عن روان ؟ فدلّوهن على غرفتها بالطابق العلويّ  


وبعد صعود الكوفيرا والخيّاطة الى فوق ، اوقف المخرج السيدة وهو يسألها : 

- عفواً !! من انتم ؟ ولما الحرس بالخارج ؟!

السيدة : نحن هنا لخدمة الأميرة روان 

الجميع بصدمة : اميرة !

السيدة : نعم ..هي من نسل الأمراء ، وابنة اهم سفير بالبلد .. وطالما بلغت سن ٢٢ ، فعليها حضور حفل التعارف بالزوج المستقبليّ

- وما نوعيّة الحفل ؟!

- هي حفلة يجتمع فيها شباب وصبايا العزّاب من الطبقة المخمليّة ، للرقص والتعارف بينهم .. وعند حصول التوافق بين بعض الثنائيّات ، تتمّ الخطبة العلنيّة .. وهو حفل يُقام مرة ، كل خمسة اعوام.. ووالدها ارسلنا لتحضيرها للحفلة.. والآن اعتذر منكم ، فورائنا عملٌ كثير

ثم تركتهم وصعدت للأعلى !


وكان الجميع منصدم من تواضع روان ، رغم كونها من عائلةٍ ثريّة وراقية .. والتي تعاملت معهم ، كأنها واحدة منهم ! 

***


بعد ساعة .. إنصدم فريق العمل برؤيتها تنزل الأدراج بفستانها المخملي الأزرق ، كأنها اميرة من العصور الماضية ! وهي بكامل زينتها ، بشعرها المُصفّف الطويل .. ومع ذلك بدت حزينة للغاية ، كأنها مرغمة على الذهاب لتلك الحفلة


وهنا انتبهت على المخرج عماد الذي تسمّرت عيناه نحوها ، وهو مندهش من جمالها الخارق .. وهو شيء لم يلاحظه طيلة الشهور الستة التي أمضتها معهم !


وقبل ان يتقدّم للحديث معها ، دخل والدها السفير الى القصر .. وبعد احتضان ابنته ، وضع التاج الإلماسيّ فوق رأسها وهو يقول :

- اعرف رفضك لهذه الحفلات .. لكنك بلغتِ سن الزواج ، وعلى العرسان رؤيتك بكامل اناقتك

روان بقهر : ابي ، انت تعرف جيداً كرهي للزواج المُدبّر

فردّ بحزم : لا اريد اعتراض !! هيا فوراً الى السيارة ، فالحفلة على وشك البدء


فالتفتت اليهم بعيونها الدامعة ، وهي تتمّتم بفمها : 

- ساعدوني 

قبل ان يجذبها والدها من ذراعها برفق ، لخارج القصر .. للجلوس معه في سيارته المظللّة 


بهذه الأثناء ، قالت لهم السيدة المرافقة ، قبل خروجها من القصر : 

- سأنقل لكم الحفلة على الهواء مباشرةً

^^^


وبالفعل رفض طاقم العمل إكمال تصوير المسلّسل ، بعد إجتماعهم في الصالة.. بانتظار المشاهدة المباشرة لحفلة امراء البلد (الممنوع حضورها من عامّة الناس) 


حيث ظهرت روان على الكاميرا : وهي تجلس في القاعة الفخمة مع بقيّة الصبايا (من عائلات الذوّات) بفساتينهن الغالية ، وهن سعداء ومتحمّسات لرؤية العرسان الأثرياء .. فيما عدا روان التي جلست بارتباك ، حيث كان واضحاً بأنها حزينة ومهمومة !


بعدها ارتفع صوت الموسيقى مع دخول العرسان بأطقهم الفخمة (الذين لم تتجاوز اعمارهم الأربعين) وبدأوا بالسلام برقيّ وأتيكيت على الأميرات الخجولات


ويبدو من ابتسامة روان ، انه لفت نظرها احدهم ! فهي المرة الأولى التي تظهر سعادتها (بالفيديو) منذ وصولها للحفل


وبعدها رقص كل عريس مع إحدى الأميرات لعشر دقائق ، قبل إنتقاله للعروس الأخرى


وبعد انتهاء الرقص التقليدي البطيء ، سمحوا لكل شاب بالحديث مع الفتاة التي اعجبته .. 


وبعدها طلب مسؤول الحفل من الشباب والصبايا : كتابة اسماء من اعجبهم ، وإعطاء الأوراق له 


وبنهاية الحفل ، حصل التطابق لثلاثة عرسان إختاروا العروسات (اللآتي إختاروهم ايضاً)

وهذا يعني نجاح ثلاث خطوبات لهذا العام ، من بين عشرين زوجاً !


ومع تصفيق جمهور الطبقة الراقية .. إجتمع والدها مع اهل العريس على انفراد ، لمناقشة المهر وامور الزواج 

^^^


بهذه الأثناء ..إقتربت روان من السيدة (المرافقة) وهي تسألها : 

- أمازلتي تصورين الحفل لزملائي ؟

السيدة : نعم .. يمكنك محادثتهم مباشرةً ، عبر هذه الكاميرا

فقالت روان بحماس : مرحباً يا اصدقاء !! لم اكن أتصوّر انني سأتزوج بهذه الطريقة التقليدية التي اكرهها ، والتي هربت منها طوال حياتي ..لكن ما ان رأيت الشاب ، حتى شعرت انني اعرفه من قبل ! ومن حسن حظي انه كان شعوراً متبادلاً ..وهاهم اهلنا يتفقون على مراسم العرس.. ادعوا لي بالتوفيق ، يا اصدقاء

^^^


في القصر ، صفّق زملائها فرحاً على نجاح خطوبتها .. بينما خرج عماد للحديقة لتدخين سيجارته ، وهو يشعر بوخزٍ في قلبه ! فقد شعر بخسارةٍ كبيرة .. وندم على إهماله لها في الشهور الماضية ، رغم إعجابه بها من النظرة الأولى


وفي تلك الليلة ..اتصلت روان لتخبرهم : بعدم قدرتها المشاركة بتصوير الحلقات القادمة ، لأنها مُجبرة على التقيّد بتحضيرات الزواج التي ستقام قريباً .. ووعدتهم ان تودّعهم قبل انتهاء الموسم 

***


وبعد شهرين ، وفي إحدى الحلقات الأخيرة لمسلّسلها .. فاجأتهم بزيارتها ، وإحضارها الهدايا الفخمة لهم ، لأن مسلّسلها نجح بسبب عملهم الدؤوب المخلص .. وأهدت المخرج طائرة درون ، لتساعده بتصوير افلامه القادمة .. قائلةً له : 

- زوجي وافق على متابعة موهبتي بالكتابة .. لهذا سأوكّلك دائماً بإخراجها ، بسبب تفانيك بالعمل .. لكن اهله اشترطوا ان لا ابقى مع طاقم العمل اثناء تصوير قصصي القادمة .. ومع ذلك لست قلقة على جودة اعمالي المستقبليّة ، طالما ستكون انت المسؤول عن إخراجهم  


وقبل عودتها لسيارتها الفخمة ، أوقفها قائلاً : 

- روان !! أقصد السيدة روان .. اريد الإعتذار منك على..

فأكملت عنه : 

- اعرف ما ستقوله ، لكنه القدر ! يبدو ان الحب الحقيقي يأتي بعد الزواج ، وليس قبله .. لكن رجاءً عدني ان لا تعيد الغلطة مع امرأةٍ اخرى.. وحاول ان لا تقلّل من قيمة احد .. يعني أقصد .. (ثم تنهّدت بضيق).. في حال اعجبتك إحداهن ، فلا تتخفّى خلف قناع القسّوة والّلا مبالاة ، لأنك ستؤذي مشاعرك قبل ان تحطّم قلبها.. وأعدك في حال تزوّجت ، ان احضر عرسك .. الى اللقاء ، يا زميليّ العنيد


فتقدّم عماد من سيارتها ، للسلام على عريسها الثريّ : 

- انتبه على كاتبتنا ، فهي جوهرة حقيقية

العريس بثقة : علمت ذلك من النظرة الأولى

وابتعد بسيارته مع زوجته روان.. 


بينما تمّتم عماد بقهر :

((وانا ايضا عرفت تميّزها منذ اللحظة الأولى .. لكن غروري الغبي ، أخسرني اجمل وأرقّ اميرة !)) 


ثم عاد للإنغماس بالعمل بجهدٍ مُضاعف ، لإخفاء مشاعره المُحطّمة .. فهي عادته المؤذيّة ، التي يبدو ستلازمه العمر كلّه !          


التلاعب بالمشاعر

تأليف : امل شانوحة  خطّة العقوبة  كتب لها على الفيسبوك ، وهو مزّهواً بنفسه :  - يكفي هذا القدر من التواصل ، فغيرك ينتظر دوره الصبيّة بقلق ...