الخميس، 18 أبريل 2024

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة 

 

المصيّدة الدمويّة


ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وما ان تحرّكت الحافلة بضعة دقائق ، حتى غفت من شدّة تعبها.. لتستيقظ على صوت السائق يقول:

- يا آنسة .. عليك النزول ، فهذه المحطّة الأخيرة لهذه الليلة..

فنظرت من النافذة بفزع ، لتجد بعض الأكواخ القديمة بجانب حقل ذرة !

فتمّتمت بضيق : يا الهي ! كان عليّ النزول قبل محطّتين..

ثم ترجّت السائق :

- لوّ سمحت ، أعدني بضعة كيلومترات للوراء

- آسف ، فطريقي مختلف عن طريقك.. إنزلي رجاءً ، واتصلي بسيارة اجرة


فنزلت مُرغمة ، وهي تشعر بالضيق والقشعريرة من المكان الذي يبدو موحشاً للغاية ! وما أن ابتعدت الحافلة ، حتى عمّ الظلام..


فحاولت الإتصال بسيارة أوبر ، لكنه لا توجد شبكة هناك .. فمشت قليلاً ، لتجد كابينة زجاجيّة لهاتفٍ عموميّ.. وكما توقعت ، الهاتف مُعطّل !


فلم يكن امامها إلاّ طرق ابواب الأكواخ ، لعلّ احدهم يسمح لها بالإتصال من هاتف منزله الأرضيّ..

لكن جميع الأكواخ الخمسة مُعتمة بالكامل ، ويبدو من الأعشاب البرّية النامية بجانب ابوابها وأدراجها بأنها مهجورة منذ سنوات !

فنادت بعلوّ صوتها :

- هل يوجد احدٌ هنا ؟!! أحتاج لمساعدة ، رجاءً !! 


فسمعت خطوات شخصٍ يركض من بعيد باتجاهها ! فشعرت بالرعب ، جعلها تُسرع باتجاه كابينة الهاتف التي حبست نفسها داخلها .. لتجد رجلاً يلبس طقماً رسميّاً ، يطرق الباب الزجاجيّ بيديه الداميتيّن :

- أهربي بسرعة قبل ان يجدوك !!

فسألته بفزع : من ؟!

- لا وقت للشرح .. فقط أهربي !!

وركض باتجاه الحقل المُهمل !


فانتظرت قليلاً ، حتى اختفى أثره .. ثم خرجت من الكابينة .. لتلاحظ زوبعة هواء تقترب رويداً رويداً باتجاه الأكواخ ! 

وسرعان ما اشتدّ هبوب الرياح السوداء ، قالعةً إحدى أسقف الأكواخ القرميديّة..

لتتعالى معها اصوات اناسٍ مُختبئة في الحقل ، وهم يصرخون بصوتٍ واحد : 

- أهربي !! ماذا تنتظرين ؟! انهم قادمون نحوك !!


فلم تجد نفسها إلاّ وهي تركض باتجاه الحقل المظلم ! 

وفجأة اختفت الرياح ! فرفعت رأسها ببطء ، لرؤية ما حصل للأكواخ..

فإذّ بيدٍ تُطبق على فمها من الخلف .. لتجد رجلاً عجوزاً بعينٍ مقلوعة حديثاً ، وهو يقول بألم :

- لا تخرجي من هنا ، فهم لا يمكنهم رؤيتنا داخل الحقل

فسألته وهي ترتجف : من هم ؟! والى متى ننتظر ؟

- حتى حلول الصباح ، وعودة الملاعين للجحيم

فسألته بعصبية : لم تخبرني بعد عمّن يلاحقنا ؟!!


وقبل ان يجيبها ، شعر العجوز بوخزٍ حادّ في ظهره ! جعله يرفع رأسه متألماً .. ليقوم طائرٌ ضخم (ظهر من العدم) بحمله من الحقل ، وهو يصرخ مستنجداً الباقين.. الى ان اختفيا في السماء المظلمة !


فإذّ بنفس الشاب بطقمه الرسميّ ، يقول لها وبيده السكين :

- كان عليّ التضحيّة به ، لأن الملاعين لن يتركوننا قبل حصولهم على فريسة لهذه الليلة ، وهو أكبرنا سناً

الصبيّة : من انتم ؟! ومن تقصد بالملاعين ؟! ومن اين ظهر الطائر الضخم؟! 


وهنا اقترب منها ١١ شخصاً من نساءٍ وشبابٍ يافعين

- نحن عالقين هنا منذ شهر

الصبيّة بصدمة : شهر ! ولما لم تهربوا للآن ؟!

- حاولنا كثيراً ، لكن كل الطرق مغلقة ..والحقل لا نهاية له !

الصبيّة : وماذا عن طريق الحافلة ؟

وأشارت للطريق .. فأجابها الشاب :

- بآخر ذلك الشارع يوجد حفرة عميقة مليئة بشظايا الزجاج والقضبان الحديديّة الحادّة الصدئة ، وكأن احدهم تعمّد وضعها هناك!

الصبيّة : مستحيل !! فأنا رأيت الحافلة تذهب من ذلك الإتجاه

- أظن السائق معهم وهو مخلوق من العالم السفليّ ، ومهمّته إحضار الضحايا لتلك الكائنات المرعبة التي تظهر كل مساء


الصبيّة : اذاً لنهرب صباحاً

فردّ بعصبيّة : الم تسمعي ما قلناه ؟!! لا مفرّ من أيّ طريق

الصبيّة بخوف : وماذا يعني هذا ؟!

- يعني يريدون ضحيّة كل يوم ، الى ان نموت جميعاً

فقال شابٌ مراهق بحزن : 

- كنّا حافلة مليئة بطلاّب الجامعة ، ولم يبقى منا سوى انا وصديقي 

الصبيّة : وماذا أكلتم طيلة الشهر ؟!

- ذرة مشويّة ..فبعض هذه النباتات مازالت تثمر ، رغم إهمالها

الصبيّة بقلق : ومن ستكون ضحيّة الغد ؟

الشاب : حتماً ليس واحداً منّا ، بعد تكوين الصداقات بيننا


فبلعت ريقها برعب بعد رؤية ابتساماتهم المستفزّة ، لتتيّقن بأنهم سيقدمونها غداً للوحوش المجهولة لإنقاذ انفسهم.. لكنها ليست بالغباء الذي يظنون ، وستسهر الليلة للتخطيط لمكيدة توقع البغضاء بينهم ، ليضحوّا بأنفسهم قبلها ، لحين إيجادها طريقة للخروج من المأزق المخيف .. فهل ستتمكّن من ذلك ؟!


الثلاثاء، 16 أبريل 2024

الحب السرّي

كتابة : امل شانوحة 

رئيس الخدم والخانم  


شاهدت بالصدفة الخادمة وهي تخرج مُرتبكة من غرفة كبير الخدم بعد تنظيفها.. 

فسألتها حِراء (زوجة مالك القصر) :

- لما ترتجفين ؟!

الخادمة : سأخبرك ، لكن رجاءً لا تخبري السيد نجيب (كبير الخدم) بالأمر ، وإلا سيطردني


وأخرجت صورة من جيبها ، وهي تقول : 

- يبدو ان السيد نجيب يحتفظ بصورة حماتك وهي صبيّة ، خلف إطار لوحةٍ أوقعتها بالغلط ! ولا اعلم كيف سأصلح زجاج اللوحة التي كسرتها

حِراء : اهدأي.. سأتحدث معه

- لا !! سيغضب حتماً

- عليّ معرفة سبب احتفاظه بصورة حماتي !

***


وبالفعل تحدثت حِراء مع نجيب الذي سحب الصورة من يدها بارتباك : 

- اين وجدتها ؟!

حِراء : لا تقلق ، فقط إخبرني .. هل تحفظ بالصورة منذ ان كانت حماتي صبيّة ؟!


فجلس متثاقلاً على كرسيه ، وهو يتنهد بحزن :

- أحببتها منذ اللحظة الأولى التي قدمت فيها للقصر ، لأجل الوظيفة .. كانت مطلّقة حديثاً ، وزوجك وأخته مازالا يافعيّن .. رجاءً لا تخبريها بذلك

حِراء باستغراب : أخفيت حبك عنها لثلاثين سنة !

- بل اربع وثلاثين سنة ، حتى كبرت في السن وقاربت على التقاعد

- الم تلمح لها ..

نجيب مقاطعاً : انت تعرفين حماتك جيداً ..هي امرأة ثريّة ، من عائلةٍ راقية.. وتترأس جمعية أهم نساء البلد ..وتهتم كثيراً لكلام الناس والصحافة .. فكيف ستحب رئيس خدمها ، ولوّ تفانيّت بخدمتها طوال حياتي ؟


حِراء : انا متفاجئة من محبتك وإخلاصك الشديد لها ، فهي امرأة صلبة وجافة المشاعر !

- رجاءً سيدة حِراء ، لا أتحمّل سماع كلامٍ مسيء عليها

- ألهذه الدرجة تحبها ؟!

نجيب : انت لا تعرفينها مثلي ..هي تبدو صلبة من الخارج ، لكنها امرأة رقيقة للغاية .. إنكسر قلبها بعد خيانة زوجها لها .. وهي من حاربت عائلتها للزواج به ، رغم انه لا يناسب مستواهم.. لهذا طردته من حياتها ، وربّت ابنائها وحدها .. فأنا كثيراً ما رأيتها تبكي وهي تنظر لألبوم الصور بعد أن حطّم قلبها تماماً ، ولم تعد تؤمن بالمشاعر ، لكنها مع ذلك تعشق ابنائها .. لهذا قست عليك ، وعلى زوج ابنتها.. فهي لا تراكما مناسبان لعائلتها .. وتخاف على ولديّها أن يعانيا ، كما حصل معها


حِراء : برأيّ عليك إخبارها بمشاعرك

- مستحيل !! ستطردني بالحال .. وانا اعشق اللحظات التي اراها فيها ، ولوّ لدقائق معدودة كل يوم

- لا اصدق ان هناك حبٌ مخلص كحبك !

نجيب : قلب الرجل لا ينبض إلاّ لإمرأةٍ واحدة ، تجعلنا نتغيّر جذرياً لأجلها .. فالرجل مخلصٌ لحبه الحقيقيّ ، اكثر من المرأة التي ربما تفضّل شخصاً آخراً على حبيبها ان كان أحسن منه مادياً واجتماعياً !

- برأيّ ان تخبرها غداً بعد احتفالنا بعيد ميلادها.. أحضر لها هديةً معنويّة ، ثم فاتحها بالموضوع

- أتظنين ذلك ؟!

حِراء : نعم !! لا تعذّب نفسك اكثر من ذلك

وتركته ، وهو غارقٌ بالتفكير والذكريات

***


في اليوم التالي .. وبعد عودة عفيفة خانم لغرفتها (بعد انتهاء حفل ميلادها بصالة قصرها ، حضره الأقارب والأصدقاء المقرّبين).. طرق نجيب باب غرفتها لتسليم هديّتها ..

الخانم بابتسامة : هديةٌ لي ! لم يكن عليك تكليف نفسك ، يا نجيب

- هي هديّةٌ رمزيّة ، سيدة عفيفة.. أتمنى ان تقبليها مني


وعندما فتحتها .. وجدت صورة لهما في شبابها..

نجيب : أتذكرين هذه الصورة ، سيدة عفيفة ؟

- نعم ، كان طليقي الخائن يلحّ بالعودة الى حياتي .. فطلبت صورةً معك ، لإخباره بأنك خطيبي.. بعدها هاجر للخارج ، وتخلّصت من تدخلاته  بأبنائي.. لكن الم ترسل الصورة اليه ، فكيف ظلّت معك ؟! 

نجيب : كنت طلبت نسختيّن من المصوّر .. واحتفظت بإحداها

الخانم بدهشة : ولماذا ؟!

نجيب بتردّد : لأنه كان اجمل يومٍ بحياتي

الخانم بنبرةٍ حازمة : نجيب !! تعقّل

- آسف سيدة عفيفة .. لكنها الحقيقة


ثم أخبرها بمشاعره الصادقة نحوها .. مما أثار استيائها : 

- هل تعي ما تقوله ؟!! أنسيت من تكون ، ومن انا بالنسبة لك؟!!

نجيب بنبرةٍ منكسرة : رجاءً لا تكملي .. اعرف انني خادمك ، لكني فعلاً مخلصاً بحبي.. 

مقاطعة بعصبية : أظنك ستتقاعد مُبكراً !!

فطأطأ رأسه بحزن : كما تشائين سيدة عفيفة

الخانم : سأتصل بسكرتيري ، لإعطائك تعويض نهاية الخدمة


فخرج مقهوراً من غرفتها .. وحزم امتعته ، ورحل مساءً بصمت دون ان يراه احد وهو منكسر الخاطر

***


في الصباح .. إتصلت الخانم بسكرتيرها ، لدفع مستحقات نجيب ..فأخبرها عن رفضه اخذ المال ، وعودته لمنزله القديم ! فطلبت منه وضع اعلان لطلب رئيس خدمٍ جديد ، دون شعورها بالأسى على نجيب الذي أفنى حياته في قصرها ! 

***


بعد اسابيع.. دخلت كنّتها الى غرفتها ، وهي تقول :

- اعرف بأوامرك الصارمة ، بمنع التحدّث عن السيد نجيب ..

الحماة مقاطعة بعصبية : وهذا يشملك ايضاً !!

حِراء : اعرف.. لكنه اتصل البارحة ليخبرني بمواعيد ادويتك ، وطريقة تحضير شايّ الأعشاب الخاص بك.. وأخبرني بقهره لابتعاده عنك..

الخانم بغضب : قلت كفى !!

- قمت بتسجيل كلامه دون علمه ، وأرسلته الى هاتفك

- ايّاك التصرّف على مزاجك !! هذا قصري ، وأوامري وحدها التي تنفّذ .. وانا لا اريد سماع اسمه ثانيةً .. 

حِراء : فهمت ، اردّت فقط إخبارك بما حصل .. سأترك ترتاحين 

وخرجت من الغرفة ، تاركةً حماتها تتخبّط بمشاعرٍ متعارضة !

***


لم تستطع السيدة عفيفة النوم طوال الليل ، الى ان استمعت للتسجيل .. وكان واضحاً من صوت نجيب شدة قهره وحزنه وهو يخبر حِراء بغلطته التي لا تُغتفر ، بعد بوحه بمشاعره التي كان يفضّل كتمانها حتى وفاته .. فخدمته لحبيبته تكفيه ، دون معرفتها بعشقه الشديد لها!


وبدأت الخانم تستذكر مواقفه القديمة ، ومساندتها بجميع قرارتها .. ومساعدتها بتربية ولديّها واهتمامه بهما .. وامضائه سنوات في خدمتها ، دون شكوى او طلب زودة على معاشه.. كما مواساته لأحزانها وفترات مرضها .. 


فأضاءت نور غرفتها ..وفتحت صندوقاً في درجها ، أخرجت منه صورة عرسها .. مُخاطبةً طليقها بقهر :

- حاربت العالم كلّه لأجل رجلٍ خائن ، تخلّى عني وعن ابنائه بسهولة ! بينما ساندني نجيب في السرّاء الضرّاء ، دون شكره يوماً او إشعاره بأهميّته في حياتي ! كيف سمحت لنفسي بطرده ، بعد افناء شبابه بخدمتي؟!

***


وفي اليوم التالي .. إتصلت الخانم بنجيب الذي تفاجأ بمكالمتها ، وهي تطلب منه العودة .. فلم يصدّق ما سمعه ! وسارع بالرجوع للقصر ، بعد شهرٍ من طرده


وأول ما فعله : هو صنع الشايّ الخاص بها .. ثم دخل غرفتها وهو مُطأطئ الرأس:

- اعدك سيدة عفيفة بأن لا أتعدّى حدودي ثانيةً ..وسأكون خادمك المخلص لآخر عمري


فارتشفت القليل من الشايّ :

- إشتقت لشرابك المميز .. لا احد يعرف ذوقي مثلك 

فابتسم بحزن ، وخرج من غرفتها بهدوء

***


بعد شهرين.. اصابه مرضٌ شديد ، جعله طريح الفراش

وفي المساء.. إستيقظ منصدماً بعد رؤية الخانم تضع الضمّادة الباردة على رأسه ! فنهض من مكانه مرتبكاً : 

- رجاءً سيدة عفيفة ، لا تقتربي مني .. اخاف ان أعديك بمرضي

الخانم : اهدأ نجيب ، واستلقي على فراشك .. فلطالما اهتممت بي ، دعني اهتم بك الليلة

- لكن سيدة..

مقاطعة : عندما نكون وحدنا ، نادني عفيفة فقط .. فأنت صديقي ولست خادمي.. 


فنزلت دموعه وهو يراقبها تهتم به طوال الليل ، وتشاركه الذكريات التي أمضياها معاً بالقصر .. وكأنه يحلم مناماً جميلاً ، لا يريد الإستيقاظ منه ابداً !

***


بعد تلك الليلة .. خصّصت الخانم وقتاً لقضائه مع نجيب في نزهاتٍ لوحدهما .. حيث تحدثا كصديقيّن مقرّبين ، تشاركا حياةً طويلة معاً  


وبسب علاقتهما السرّية بعيداً عن أعين سكّان القصر والصحافة ، تحسّنت علاقتها بكنّتها وصهرها ! بعد شعورها بالحب من جديد ، وفهمها لسبب عناد ولديّها بالزواج ممّن يحبان ، رغم انهما من بيئةٍ بسيطة كصديقها نجيب 


ولا احد فهم سبب تغيّرها مع موظفيها إلاّ حِراء التي راقبت علاقتهما من بعيد ، دون إخبار زوجها بالأمر

***


ورغم المعاملة الجافة من الخانم لكنّتها وصهرها لسنواتٍ عديدة ، إلاّ انها قرّرت القيام بحفلٍ بالقصر ، للمباركة للعرسان بزواجهما ! رغم إنجباهما للأحفاد التي صارت تلاعبهم لأول مرة في حياتهم ، بعد ان انكرت مطوّلاً انتمائهم لعائلتها العريقة !


وبنهاية الحفل ، فاجأت الجميع بخبر خطبتها من نجيب ! مما أغضب ابنها التي سارعت حِراء بأخذه للغرفة لتهدئته ، وأن عليه السماح لأمه العيش بسعادة بعد أن أفنت شبابها بتربيته هو وأخته .. كما أخبرته بحب نجيب المخلص لأمه وتقديره الشديد لها ، وانه غير طامعٍ بثروتها .. 


وبسبب موقف حِراء الداعم لحماتها ، تحسّنت علاقتهما بعد سنوات من التوتر داخل القصر الكبير

***


وبعد اعلان زواج الخانم من نجيب على الملأ .. إنهالت المكالمات عليها من اقاربها ومجتمعها الراقي ، بسبب الضجّة الإعلامية من زواجها بخادمها رغم مكانتها الإجتماعية الكبيرة ! 

مما اغضب ابنها من جديد ، بعد الفضيحة المدويّة .. لكن حِراء استطاعت بحنكتها تهدئة الوضع..وإقناع زوجها بأن الحب اهم من كلام الناس التي ستتكلّم بالسوء بجميع الأحوال ، لغيرتهم من مكانتهم المرموقة


وبسبب موقف حِراء ودفاعها المستميت عن حماتها ، أصبحت صديقتها المقرّبة بعد وثوقها بها .. حتى انها أخبرتها ذات يوم :

- الآن فهمت لما حاربني ابني للزواج بك.. انت فعلاً امرأة رائعة ، كما وصفك دائماً

حِراء : وانا سأساند علاقتك بزوجك المخلص .. فلا شيء اهم من الحب الصادق

فحضنتها حماتها لأول مرة !

- شكراً لك ، يا ابنتي 

وقد عنت هذه الكلمة الكثير لحِراء !

***


وفي المساء .. هدّأت حِراء زوجها الذي مازال متضايقاً من فضيحة أمه التي ستؤثّر على عمله التجاريّ ، وأخبرته القصة منذ البداية

زوجها معاتباً : اذاً انت من نصحت نجيب بإعلان مشاعره لأمي ؟!

حِراء : نعم .. فبعد شعورها بالحب ، تفهّمت أخيراً علاقتي بك .. وكما ترى ، قلّت المشاكل بيننا اخيراً  

- يالك من داهية ! أوقعت السيدة عفيفة بشراك الحب ، لتعيشي بسلامٍ معي

- بل لنعيش جميعاً بوئامٍ ومحبّة في قصرنا الجميل


ففكّر مطوّلاً ، قبل أن يقول : 

- بجميع الأحوال .. العم نجيب يعيش معنا منذ سنوات ، وهو بمثابة ابٍ لي 

حِراء بارتياح : اذاً قبلت زواجهما ؟!

- لا اريد حرمان امي من مشاعر المحبّة التي أشعر بها كل يوم وانت بجانبي.

حِراء : الجميع يستحق الحب

- هذا صحيح ، عزيزتي .. شكراً لوجودك بحياتنا

وحضنها بامتنان


السبت، 13 أبريل 2024

الكنز البحريّ

تأليف : امل شانوحة 

 

الصندوق الثمين

 

أطلّت من نافذة المنارة المهجورة وهي تنظر للبحر بحزن ، وتتذكّر خطيبها وهو ينطلق بقارب العجوز الشمطاء بعيداً عن الشاطئ ، بعد ان وعدها بالعودة اليها فور انتهاء مهمّته الشاقة .. 


ومرّت اعوامٌ عديدة ، وهي تنتظره كل صباح عند المنارة دون أثرٍ له ! حيث نصحها الكثيرون بنسيانه والزواج بغيره ، لكنها تأبى إلاّ انتظار حبيبها ، فقلبها يُشعرها أنه مازال تائهاً بين الأمواج ، يعدّ الأيام والليالي للعودة اليها بشوقٍ وشغف


لكن محاولة إنتحار شخصٌ تعرفه من شدّة إكتئابه جعلها تشعر بارتباكٍ شديد ، فموته يعني خسارة أملها الأخير بعودة حبيبها ! لذا كان عليها المجازفة بالإقتراب من احد الغوّاصين المغامرين المتواجدين على الشاطىء ..والتي اتفقت معه على عملٍ مشترك بينهما ، بعد ان أرته أحجاراً كريمة غالية الثمن .. وهي تقول :

- أتدري اين وجدتهم ؟

فسألها باهتمام : اين ؟!

الصبيّة : هل غصت سابقاً قرب الكهف الخطير وسط البحر ؟

- لا طبعاً ، فهي مجازفةٌ خطيرة .. لوجود تياراتٍ خطيرة قربه ، عدا عن اسماك القرش.. فكيف حصلت على هذا الكنز ؟

- ابي كان غوّاصاً مثلك ، ووجد هذه الأحجار في اعمق مكانٍ في الكهف.. لكنه لم يستطع إخراجهم جميعاً ، كيّ لا يثير انتباه بقيّة الغواصين الى كنزه .. فخبّأ معظمها في صندوقٍ تركه هناك.. ووافته المنيّة قبل استخراجه .. ولم يبقى من إرثه ، سوى هذه الأحجار الثلاثة الثمينة


الغوّاص بحماس : وكم ترك داخل الصندوق ؟

- هو صندوق متوسط الحجم ، مليءٌ بالكامل بالأحجار الكريمة النادرة ..

- ولما تخبريني بسرّك الخطير ؟! 

الصبيّة : دعني اولاً أعطيك الخريطة التي رسمها ابي لمكان الكنز.. (ثم قالت بحزم) .. طلبي الوحيد ، أن تفتح الصندوق اسفل البحر

الغوّاص : ولما لا أحضره الى الشاطئ ..

مقاطعة بعصبية :

- قلت !! تفتحه اسفل البحر .. هذا شرطي ، وإلاّ لن اعطيك الخريطة

- حسناً اهدأي .. سأذهب حالاً الى هناك

الصبيّة : ضعّ هذه السمّاعة المضادة للماء ، وهذه الكاميرا ايضاً.. فأبي صوّر المكان جيداً ، إلاّ ان فيلمه احترق مع الأسف .. لكني مازلت احفظ تضاريس الكهف جيداً ، وسأوجّهك بالميكروفون لمكان الكنز.. المهم ان تحذر من ان تسحبك التيّارات للأسفل ، مع الإبتعاد قدر الإمكان عن تجمّعات القرش المفترسة


وفوراً توجّه الى قاربه لتنفيذ المهمّة ، وهو يتساءل :

((ستخسر كنزها الثمين لأجل شرطٍ غبي : بفتحي الصندوق اسفل البحر ! يالها من فتاةٍ غامضة !))

***


وبالفعل وجّهته عبر سمّاعة الأذن ، وهي تراقب غوصه من خلال الكاميرا باتجاه المكان المظلم داخل الكهف الذي اضاءه بكشّافٍ حول رأسه .. محاولاً تجاهل خوفه من عشرات اسماك القرش التي تسبح فوقه ! فكل همّه هو التأكّد من وجود الكنز ، وانه لم يجازف بحياته سدى


وما ان فتح الصندوق ، بعد كسر قفله بالحجر .. حتى خرج شعاعاً ابيضاً ، سبح مُسرعاً نحو سطح البحر ! والذي ارعب اسماك القرش التي ابتعدت فوراً عن الكائن المضيء بهيئته المرعبة .. 


ولم يتبقى في الصندوق سوى قطعة قماش ودبابيس ومادةٍ لزجة وأعقاب دخانٍ قديم ، مما اغضب الغوّاص الذي ارتجف بعد سماعه الفتاة من الميكروفون وهي تقول بحماسٍ وسعادة :

- شكراً لفكّك أسر خطيبي التي قيّدته الساحرة الملعونة داخل الصندوق لسنواتٍ طويلة ، لإفساد حياة رجلٍ بشريّ كاد ينتحر قبل ايام من شدّة يأسه.. ولو نجح بإنهاء حياته ، لمات حبيبي معه.. ولأني جنيّة هلاميّة ، لا يمكنني فتح الصندوق الخشبيّ إلاّ بواسطة بشريّ ، لهذا استعنت بك .. والآن سأقطع اتصالي بك ، فخطيبي يسبح باتجاهي ، وعليّ استقباله بالحال.. سأترك الأحجار الثلاثة الثمينة داخل حقيبة ملابسك بجانب الشاطئ ، فأنا لا أملك غيرها.. وشكراً جزيلاً على جمعي بحبيبي من جديد


وما ان اختفى صوتها ، حتى سارع الغوّاص بالسباحة للأعلى بفزعٍ وارتباك بعد لقائه بجنيّةٍ وخطيبها.. ورغم قيادة قاربه نحو الشاطئ بيدٍ مرتجفة وهو ينهج بخوفٍ شديد ، إلاّ انه شعر بالفخر لمساهمته بفكّ سحرٍ صعب ، كاد ينهي حياة رجلٍ بائس.. وفي الوقت ذاته جمع حبيبيّن فرّقتهما الظروف لفترةٍ طويلة ، وإن كانا من عوالم أخرى !


الأربعاء، 6 مارس 2024

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة 

الطيّبة والشريرة


دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :  

- إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ..ودعّ نائبك يوقّع عقود البيع..

مقاطعاً بحزن : الألم ليس برأسي ، بل بقلبي

- مصابك كبير.. رحم الله زوجتك

فردّ بعصبية : كم كانت عنيدة !! أصرّت على قيادة السيارة بنفسها .. لوّ تركت سائقي يأخذها للسوق ذلك اليوم ، لما توفيّت وتركت ابني في غيبوبة منذ شهور

السكرتيرة : هل ستبقيه في المستشفى ؟

- لا ، أفكّر جديّاً بإعادته للمنزل

- اذاً تحتاج للممرّضة


جاك : سأبحث عن واحدة ..

السكرتيرة مقاطعة : إبنة اخي ممرّضةٌ جيدة ، وأختها التوأم مُدبّرة منزلٍ ممتازة .. وطالما خادمتك عادت لبلدها ، فالأفضل توظيفهما معاً.. فهوب (أمل) تهتم بالقصر ، وأختها جاكلين بإبنك الصغير

- هل لديها خبرة بتمريض الأطفال ؟

السكرتيرة بفخر : هي الأولى على دفعة المعهد ، ولديها الكثير من شهادات التقدير

- اذاً إرسليهما الى قصري بعد العصر

***


وبدأت الأختان العمل في قصره.. هوب تهتم بالطبخ وترتيب المنزل ، وجاكلين بالطفل الغائب عن الوعيّ منذ بداية السنة.. ولأن جاك رجلٌ ثريّ ووسيم ، فقد اثار اهتمام جاكلين التي تحلم دائماً بتحسين مستوى حياتها بسبب غرورها بجمالها اللافت ، بعكس أختها هوب ذات الجمال المتواضع (فهما توأمتان غير متشابهتيّن) 


ومع الوقت .. صارت جاكلين تهتم بتحضير قهوة جاك وتنسيق ملابسه وترتيب مكتبه بالقصر ، مُهملةً بذلك ابنه المريض

لهذا اضّطرت هوب لإمضاء الوقت مع الولد (8 سنوات) فور انهاء عملها .. مع تغيّر حفائضه وتحميمه من وقتٍ لآخر .. وهي التي تذكّر جاكلين بمواعيد تغيّر الأمصال ، كغذائه الوحيد.. كما أمضت العديد من الليالي بقراءة القصص له ، بعد تعلّقها بالصغير النائم

***


وذات يوم .. دخلت جاكلين الى غرفة الصبي ، لتجدها تحاول دغدغته وإضحاكه ! 

فقالت لها بلؤم : انت تضيعيّن وقتك مع هذا المعاق

وكانت هوب تمسك بيد الصغير الذي ضغط على اصابعها .. فعاتبت اختها:

- جاكلين !! لقد أزعجه كلامك

- هل تصدّقين فعلاً انه سيستعيد وعيه ؟ 

هوب : طبعاً !! فكل من كان بغيبوبة ، استيقظ يوماً ما 

- ربما بعد سنواتٍ طويلة .. وأنا لن انتظر كل هذه المدة

- ماذا تقصدين ؟!

جاكلين : حالياً أُخطّط للزواج من والده .. وأتمنى حينها ان يكون ميتاً ، فأنا لا اريد ابنه في حياتي


هوب بعصبية : لقد بالغتي في احلامك .. فحن موظفتيّن لدى السيد جاك ، ولا داعي لتُغرمي به !

- لا يهمّني موضوع العشق والغرام .. المهم أن اصبح سيدة القصر

- أهذه كل اهتماماتك بالحياة ؟!

جاكلين : وماذا يوجد اهم من المال والسلطة ؟

- حرامٌ عليك ..انت تهملين الصغير كثيراً ، وأحياناً تنسين وضع الأمصال..

مقاطعة بلؤم : اذاً ضعيها انت !!

هوب بضيق : انت تعلمين ان والدي لم يُكمل تعليمي ، مثلك..  

- لأنك تشبهين امي التي لا يحبها ، بينما أشبه عمّاتي الفاتنات

- عيبٌ عليك ان تتكلّمي هكذا عن امك المرحومة !

جاكلين : كانت ضعيفة الشخصيّة ، مثلك تماماً

- هل أصبحت طيبة القلب ضُعفاً هذه الأيام ؟!

- وغباءٌ ايضاً !! إهتمي انت بالصغير .. فعليّ التركيز على جمالي هذه الفترة ، لألفت نظر جاك إليّ


هوب بدهشة : جاك هكذا ، دون ألقاب !

- ولما لا ، فهو سيصبح زوجي قريباً .. وسأذكّرك بذلك ، يا غيّورة 

- انا لا اغار منك !! انت تتوهمين ذلك

جاكلين بغرور : بلى !! فلطالما كانت الأنظار مُصوّبةً نحوي .. لأني جميلة ومتعلّمة ، وانت فتاةٌ عاديّة لم تنهي مرحلة الثانوية

- لا يهم كل هذا ، المهم صفاء القلب والنيّة الحسنة ..

مقاطعة بسخرية : إبقي على مثاليات والدتك .. فطيبة قلبك لن تنفعك بشيء ، بل ستصبحين عانسٌ فقيرة .. آه ! هل سمعتي .. وصل حبيبي ، سأذهب لاستقباله


وبعد خروجها من الغرفة ، تمّتمت هوب بقلق :

((كان الله في عونك ، سيد جاك.. (ونظرت للصغير) ..وفي عونك انت ايها الملاك النائم ، في حال اصبحت زوجة والدك بالفعل !))

***


بمرور الأيام .. نجحت جاكلين بإثارة إعجاب جاك الذي ذهبت معه الى مطاعمٍ فاخرة ، بعد تمثيلها ببراعة : إهتمامها بإبنه وخوفها عليه!

لكنه مع ذلك اراد الإطمئنان اكثر قبل خطبتها ، فوضع كاميرا في غرفة ابنه دون علم الصبيتيّن..


ليجد ان هوب هي التي تهتم بالصغير معظم الوقت ! بينما جاكلين تدخل غرفته مُتأففة لتغيّر الأمصال ، بعد إلحاحٍ متواصل من اختها الحنونة ..


كما استمع لمشادةٍ كلاميّة بين الأختيّن :

جاكلين : انت تغارين مني !!

هوب بضيق : قلت لك الف مرة إن الأشياء التي تهمّك ، لا تهمني !!

- أتدرين يا توأمي اللعين !! عندما أتزوج جاك ، سأبقيك في قصري كخادمةٍ لي ولأولادي 

- أتعلمين شيئاً .. رغم اننا توأمتان ، إلاّ اننا لا نشبه بعضنا بشيء ! فأنت جميلة من الخارج ، وقبيحة من الداخل..

جاكلين مقاطعة بعصبية : هذا أفضل من قضاء حياتي ، كقبيحةٍ مثلك .. فالرجال الأثرياء لا يهمّهم طيبة قلب المرأة بقدر جمالها ، ليفاخر بها امام طبقته المخمليّة .. وقريباً جداً ، سترين خاتم خطبتي الإلماسيّ .. بينما انت منهمكة بتغيّر حفاضات الصبيّ القذر .. والآن سأذهب للتزيّن ، فقد قارب موعد عودة حبيبي من شركته


وبعد ذهابها .. سمع جاك (من خلال الكاميرا) هوب وهي تكلّم ابنه بعيونٍ دامعة :

- هيا يا صغيري .. دعني ارى عينيّك الجميلتيّن .. الم تشبع من النوم ايها الكسول ؟ الم تشتاق لزملائك في المدرسة ؟ أكيد لديك معلمة تفضّلها عن غيرها ، وهي قلقة عليك الآن .. ماذا عن والدك ؟ الم تشتاق الى حضنه ؟ هيا يا صغيري ، إفتح عينيك لترى خالتك هوب التي تهتم بك ، وتحبك كثيراً..  (ثم تنهّدت بشفقة).. كما تشاء ايها الوسيم ، لن اضغط عليك .. إن كنت تريدني ان اقرأ لك قصةً ثانية ، فاضغط على يديّ .. أحسنت يا بطل !! سأقرأ قصة اشتريتها خصيصاً لك .. 


فتساءل جاك باهتمام : ((هل فعلاً ضغط ابني على يدها ؟! إن فعل ذلك ، فهو تطوّرٌ جديد بحالته الصحيّة .. عليّ سؤال هوب عن حالته ، فور عودتي للمنزل)) 

***


وفور وصوله ، تجاهل جاكلين التي تنتظره عند باب القصر بكامل اناقتها .. وتوجّه مباشرةً لغرفة ابنه .. مما ضايقها كثيراً !


وعندما دخل .. وجد هوب تمسك يد ابنه وهي تقرأ القصة بحماس ، مع تغيرها للأصوات حسب الشخصيّات الكرتونيّة ! والتي تفاجأت بجاك يسألها باهتمام :

- هل فعلاً يتجاوب معك ؟! 

هوب بارتباك : نعم .. فالقصة التي تعجبه ، يشدّ بها على يدي .. فأضعها مع مجموعة القصص التي سأعيدها له لاحقاً 

وأشارت الى مكتبة ابنه .. فقال جاك باستغراب :

- لا اذكر انني اشتريت له كل هذه القصص !

هوب : أحضرتها له من مصروفي

جاك : ولماذا !

- لأني آمل ان تكون الدافع لإستيقاظه  

- وهل لديك امل بذلك ؟ 

هوب : أكيد !! لا يأس مع الحياة.. إن اردّت ، جرّب بنفسك .. لربما يتجاوب معك ايضاً


وجلس جاك بجانب سرير ابنه ، مُمسكاً بيده .. ثم همس في اذنه :

- اريد ان آخذ رأيك بشيء .. هل تريدني ان أخطب ممرّضتك جاكلين؟

فضغط الصبي على يده بقوة ، وهو عاقد الحاجبيّن !

فسألته هوب بدهشة : ماذا قلت له ؟! .. يبدو غاضباً ! 

فابتسم جاك : أظن اقتراحي لم يعجبه .. سأحاول من جديد


ثم همس في اذن ابنه :

- ام تفضّل زواجي بهوب التي تقرأ لك القصص ؟

فابتسم الصغير وهو مُغمض العينين !

جاك بصدمة : يا الهي ! انه يسمعني فعلاً 

هوب : نعم .. فأنا قرأت العديد من المقالات عن المرضى الذين استيقظوا بعد سنوات من غيبوبتهم ، والتي وصفوها بمنامٍ طويل .. كأنهم في فقّاعة صابون ، يسمعون كل شيءٍ حولهم .. ويميّزون الأشخاص الذين يدخلون غرفهم من خلال عطورهم .. حتى انهم يشعرون بمن يرغب بشفائهم ، ومن يتمنى موتهم من خلال طاقتهم السلبيّة والإيجابيّة اتجاههم ! 


وهنا تدخل جاكلين الغرفة :

- جاك .. لدينا حجز في المطعم ، أنسيت ؟!

فنظر اليها بدهشة لمناداتها إسمه هكذا ، فقالت بارتباك :

- آسفة سيد جاك ، لكني لا اريد التأخّر عن موعدنا 

جاك : كنت قلقاً على ابني ، لكن يبدو ان هوب تقوم بعملٍ جيد

جاكلين بلؤم : وما يدريها بالتمريض ؟ فهي مجرّد خادمة

جاك معاتباً : كيف تقولين ذلك عن اختك الوحيدة ؟!

جاكلين : هي لم تدرس التمريض ، وأفضّل عدم إقترابها من ابنك


جاك : ابني ليس بحاجة لممرّضة ، بل لأمٍ حنونة  

- لكن انا لديّ أم !

قالها الصغير بعد سماعه كلامهم .. فحضنه ابوه باكياً :

- حبيبي ! إستيقظت أخيراً

ابنه باستغراب : كنت نائماً يا ابي ، فلما كل هذه الدموع ؟!

جاك بقلق : أتستطيع تحريك يديّك وقدميّك ؟

فحرّك الصبي أطرافه ، وهو يقول :

- نعم ابي ! مالذي حصل ؟ .. وأين امي ؟!


فقالت جاكلين بلؤم ، بعد ضيقها من تعافي الصبي الذي لا تريد تحمّل مسؤوليته : 

- امك ماتت !!

الولد بصدمة : ماذا !

وانهار باكياً .. فصرخ جاك بوجه جاكلين :

- هل جننت !! أهكذا تخبرين الصبي بالأمر ؟!!

فأجابت بلا مبالاة : هو سيعلم بكل الأحوال

جاك بغضبٍ شديد : انت مطرودة !!

جاكلين بصدمة : ماذا ! لا .. ابنك بحاجةٍ لي ، فأنا اعرف حالته الصحيّة ..

جاك مقاطعاً : هو ليس بحاجة لإنسانة عديمة الرحمة مثلك !! 


فنظرت بغيظ لأختها هوب :

- ماذا فعلتي ؟!! كيف جعلته يكرهني بهذه السرعة ؟!

فأجاب جاك : اختك لا دخل لها بالموضوع

وأشار لكاميرا الغرفة ، وهو يقول :

- لقد شاهدت كل شيء : وقاحتك مع اختك ، وقساوتك بالتعامل مع ابني اثناء مرضه .. والآن أخرجي من منزلي !!

جاكلين بغرور : أتظنني سأتوسّل للبقاء معك ؟ فأنا بسهولة يمكنني إيجاد غيرك .. لأني فاتنة ، والجميع يتمنّاني .. انت تكفيك هذه الخادمة الجاهلة!!

وخرجت من القصر ، وهي تتوعّد اختها بالإنتقام !

***


وبمرور الوقت ، تعلّق جاك وابنه بهوب الطيبة .. 

وذات يوم ، وعند إحضار ابنه من المدرسة .. سأله بالسيارة : 

- ما رأيك لوّ تعيش هوب معنا للأبد ؟

ابنه بسعادة : نعم ابي !! فأنا احبها كثيراً

- اذاً دعنا نختار خاتم الخطوبة ، لمفاجأتها الليلة بطلب يدها

***


وفي الوقت الذي كانت تعيش فيه هوب اجمل ايامها مع زوجها الحنون وابنه ..كانت جاكلين متورّطة مع ثريٍّ عجوز ، هو زعيم أكبر عصابة مخدرات بالبلد .. لكن هذا لم يهمّها بسبب إسرافه بتدليلها ، دون علمها بأن حياتها ستتحوّل لجحيم عندما تقرّر العصابة المنافسة الإنتقام منه بخطفها .. وكل هذا بسبب غرورها وطمعها الذي أخسرها اختها الوحيدة ! وقريباً جداً ، حياتها بأسوء طرق التعذيب المؤلمة             


الأحد، 3 مارس 2024

الجريمة المثاليّة

فكرة : الأستاذ عاصم
كتابة : امل شانوحة

 

القاتل الغامض !


كانت القضيّة غامضة لدرجة انهم استدعوا أفضل محقّقٍ بالمنطقة ، بعد إيجادهم جثة شابٍ مطعون في حوض الإستحمام .. والغريب إن حمامه كان مقفلاً من الداخل ! حيث اضّطرت الشرطة لكسر الباب ، بعد انزعاج الجيران من رائحة تحلّل جثته.. 

ولم يكن مُنتحراً بقطع شراينه بل مطعوناً بعدّة اجزاءٍ من جسمه ، دون عثورهم على اداة الجريمة بالقرب منه ! كما لا أثر للدماء في بقيّة الشقة ، مما يؤكّد ان الطعن حصل بالحمام الضيّق الذي لا يمكن لأحد الإختباء به .. فكيف حصلت الجريمة ؟!


ولم يكن امام المحقّق إلاّ السؤال عن القتيل الذي يبدو انه سكن المنطقة منذ عام دون أن يكون لديه صداقات ، حتى علاقته بالجيران سطحيّة .. ومع ذلك شهدت جارته برؤيته يدخل شقته اكثر من مرة برفقة سيدة تكبره سناً.. 

فهل قتلته عشيقته ؟ .. الأمر مشكوكٌ فيه ، لأنه يبدو انه قاوم قاتله بكل قوته.. وحسب اقوال جارته : فالسيدة هزيلة الجسم ، بينما هو رياضيّ .. اذاً لابد أن قاتله رجلٌ قويّ البنيّة. .فهل له علاقة بعشيقته التي خانته ؟ ام هو قوّادها ، ام احد اقاربها ؟ ام ان القاتل شخصٌ آخر لا علاقة له بحبيبة القتيل التي لا أثر لها ، رغم انتشار خبر الجريمة بكل المنطقة ! 


وحسب اقوال الشاهدة الوحيدة : أن عشيقته زارته قبل اسبوع من انبعاث رائحة تحلّل الجثة الكريهة ، مما يؤكّد انها آخر من شاهدته حيّاً .. دون علم أحد بمن تكون ، كأنها قدمت من حيٍّ بعيد ! 

***


لاحقاً انتشرت اشاعة : إن شقة المغدور مسكونة ، وأنه قُتل بواسطة الجن والعفاريت التي اقتحمت حمامه المُغلق ! لكن هذا الكلام لم يقنع المحقّق ، خاصة موت القتيل بملابسه ، رغم وجوده بحوض الإستحمام .. وهذا يدل ان قاتله أدخله الى هناك عنّوة ، لطعنه حتى الموت .. ربما لعدم رغبته بإثارة الفوضى بالشقة ، واضّطراره لمسح الأدلّة.. كما يبدو ان القاتل حرص على لبس ثيابٍ سميكة ، غطّى بها كل جسمه .. لعثورهم على بقايا صوف تحت اظافر القتيل الذي حاول جرح قاتله ، للحصول على عيّنة (DNA) تُستخدم لاحقاً في المختبر ! وهذا يدلّ انه قُتل عن سبق إصرار وترصّد ، بعد أخذ القاتل احتياطاته بعدم ترك أثرٍ خلفه بمسرح الجريمة! 


كما لا وجود لدعسة طينٍ هناك ، رغم ان الجريمة حصلت في اسبوعٍ ماطر .. وكأنه قبل اقتحامه الشقة ، لبس مطاطاً فوق حذائه.. فمن ذلك الشخص الذي خطّط لجريمةٍ مثاليّة ؟! هل هو عدوٌّ سابق للقتيل ؟ ام شخصٌ مهووس بالأفلام البوليسيّة ؟!

***


مرّ شهر دون عثور المحقّق على دليلٍ واحد يُرشده للقاتل الغامض ! وأوشك على تقيّد القضيّة ضدّ مجهول .. 


وفي ليلتهم الأخيرة بمسرح الجريمة .. إجتمع المحقّق مع افراد الشرطة ورئيس مركزه اسفل المبنى ، بعد قيامهم بإغلاق الشقة بالشمع الأحمر بعد فشلهم بحلّ الّلغز.. 


واثناء انشغال المحقّق مع الشرطة بإبعاد الناس المتجمّهرة هناك .. إقتربت عجوز (تسكن في المبنى المقابل ، للمبنى الذي وقعت فيه الجريمة) من رئيس مركز الشرطة وهي تحمل ببغائها ، وتشير نحو شخصٍ بعيد وهي تقول :

- رأيت ذلك الرجل يتشاجر مع القتيل في الشارع 

فقال رئيس الشرطة :

- انت مخطئة يا خالة ..فالشخص الذي تشيرين اليه ، هو المحقّق بالقضيّة

العجوز : انا اقول الحقيقة ..رأيته يصعد خلف الشاب الى العمارة ، غاضباً .. وبعد اقل من ساعة ، نزل وهو يزيل القفّازين عن يديه والمطّاط البلاستيكيّ عن حذائه .. وإن كنت لا تصدقني .. فببغائي كان معي وحفظ جملة من شجارهما ، وهو يردّدها دائماً..

ثم نظرت للطيّر :

- هيا كوكي !! قلّ جملة الرجل الغاضب من جديد

فقال الببغاء : ((إبتعد عن زوجتي ، ايها الغريب الحقير !!))

وكان بصوت المحقّق الذي ما أن سمع الببغاء ، حتى حاول الهرب بسيارته .. قبل أن يأمر رئيسه بنقله لمركز الشرطة ، وسط دهشة الجميع ! 

***


وهناك اعترف بشكّه بزوجته ، بعد اهتمامها الزائد بنفسها بالأونة الأخيرة .. فراقبها ليجدها تخرج من شقة الشاب بملابس أخرى ، مؤكّدةً خيانتها ! 

فخطّط جيداً للجريمة.. ثم انتظر الشاب بالشارع ، وهدّده بترك زوجته .. لكن الشاب ردّ بحقارة : بأنه يهتم بها ، اثناء انشغاله بالعمل ! 


فلم يكن امامه إلاّ تنفيذ خطة الإنتقام .. حيث لم يتوقع الشاب ان يصعد خلفه ، ويرنّ جرس منزله !

وما ان فتح الباب .. حتى سارع المحقّق بخنقه ، وشدّه بقوّة باتجاه الحمام .. ليقوم بطعنه بحوض الإستحمام حتى الموت.. 


ثم وضع مفتاحاً صغيراً ، بدل المفتاح الأصليّ لباب الحمام الذي أغلقه من الخارج بمفتاحٍ خاص بالشرطة التي لم تنتبه على استبداله المفاتيح ! 


وكان متأكداً ان لا احد سيحلّ الّلغز ، خاصة بعد تدميره للأدلّة الباقية دون شعور فريق المختبر الجنائي بذلك : كتمزيقه صورة زوجته مع عشيقها التي وجدها بدرج غرفة النوم .. كما إعادته المفتاح الأصليّ ، بعد خلعهم باب الحمام .. 


لكن لسخرية القدر : إستدعاه رئيسه للتحقيق بجريمته التي كادت تكون مثاليّة ، لولا أن فضحته العجوز الفضوليّة باللحظة الأخيرة !


فسأله رئيس المركز الذي حقّق معه بنفسه :

- انت تعمل معنا منذ عشرين سنة ، وكشفت عشرات الجرائم الغامضة .. فلما ضيّعت مستقبلك هكذا ؟!

المحقّق بقهر : لا تحكم عليّ .. فلوّ عرفت بخيانة زوجتك ، لفعلت الشيء ذاته .. فلا شيء يؤلم أكثر من غدر ، أعزّ الناس اليك !

الرئيس : آه صحيح ! ماذا فعلت بزوجتك ؟ هل واجهتها بفعلتها ؟

فالتزم المحقّق الصمت..

الرئيس بعصبية : تكلّم !! ماذا فعلت بها ؟!

لكنه لم يجيب !

الرئيس : انا اعرف رقم منزلك

واتصل مراراً ، دون جواب !

الرئيس بقلق : هل قتلتها ايضاً ؟!

المحقّق : هذه المرة لن اساهم بحلّ لغزّ اختفائها..

وابتسم بخبث !


الجمعة، 1 مارس 2024

الوحش الدخانيّ

تأليف : امل شانوحة 

المعمل المشبوه


أُفتتح مصنعٌ وسط مدينةٍ صغيرة لا يديريه صاحبه إلاّ مساءً ، مُزعجاً السكّان المئة بدخانه الأسود الذي يكتم الأنفاس ، مما أجبرهم على غلق النوافذ وإضاءة المراوح رغم النسيم العليل بالخارج!


وفي إحدى الليالي .. خرجت أخت وأخوها الى الشرفة وهما يراقبان الدخان الأسود المُتصاعد باتجاه شقةٍ علويّة للمبنى المجاور.. 

فتساءلت الأخت بقلق : الا تلاحظ إن المالك العجوز لم يعد يخرج للشرفة ، كعادته كل مساء ؟!

الأخ : علينا الإطمئنان عليه ، لربما مات اختناقاً من الدخان ..فهو الأكثر تضرّراً من بين المباني المحيطة بالمعمل .. آه لحظة ! هل تري شيئاً يتحرّك بالشرفة ؟!

- كأن أحدهم يلوّح لنا !

- يبدو أن العجوز فقد وعيه هناك ، ويحتاج لمساعدةٍ عاجلة


وقبل خروجهما من شرفة منزلهما ، بنيّة التوجّه للمبنى المجاور لإنقاذ الجار .. شاهدا تحوّل الدخان الأسود الى وحشٍ ضخم ، بنصف إنسان ووجهٍ مخيف وذراعيّن ضخميّن ، حمل العجوز المُحتضر .. ثم ابتلعه ، ليزداد كثافة دخانه ! 


وقبل ان يستوعب الأخان ما شاهداه ! لمحهما الوحش الأسود الذي انطلق باتجاه شرفتهما .. فأسرعا للداخل ، وأغلقا الباب الزجاجيّ.. لترطم يد الدخان العملاقة بالباب ، ويتراجع للخلف .. ليعود كدخانٍ عاديّ يتصاعد من المعمل !

***


في اليوم التالي ، لم يصدّق الأهالي ما قاله الأخويّن .. لكنهم شعروا بالقلق لعدم عثورهم على العجوز داخل شقته ، بعد كسرهم الباب الذي كان مقفلاً بإحكام من الداخل !


ولم يكن امام الأخويّن إلاّ الإستعانة بجارهم المصوّر الذي سهر معهما تلك الليلة على شرفة منزلهما ، وهو يحمل كاميرته بصورها التلقائيّة (المميزة بزمن السبعينات)


ولم تكن إلاّ لحظات .. حتى شاهدوا الوحش الدخانيّ يتكوّن من جديد ، فور خروج ابن الجيران الى شرفة الشقة السفليّة للعجوز المفقود .. ليحصل الشيء ذاته ، بعد ابتلاع الوحش للصغير !

***


وفي الصباح .. إنتشر الخبر بأرجاء المدينة الصغيرة ، بعد رؤيتهم للصور المفزعة ! وتجمّع الشباب الغاضبين امام باب المعمل ، بعد منع الحارسان دخولهم اليه .. فانتظروا صاحب المعمل الذي وافق على إغلاقه لعدة ايام ، لحين هدوء غضبهم .. دون انزعاجه من صور الوحش المخيف !

***


باليوم الثالث ، أدار معمله آخر الليل بعد نوم الأهالي .. ليسارع الوحش الدخانيّ بدخول منزل المصوّر الذي نسيّ إغلاق نافذة غرفته .. وكاد يبتلعه ، قبل صراخه بعلوّ صوته مُهدّداً :

- وزّعت صورك على الجميع !! حتى لوّ قتلتني ، سيفضحونك انت وسيدك


وسرعان ما تبدّد الوحش ، ليعود كدخانٍ يتصاعد بشكلٍ عادي فوق المعمل الذي رفض صاحبه إطلاع الأهالي على نوعيّة المواد المُصنّعة داخله ! خصوصاً ان عمّاله الأفارقة يتحدثون بلغةٍ غريبة .. اما حارسا المعمل ، فممنوعا من التواصل مع الأهالي ، وكأن ما يحصل داخل المعمل يرعبهما بشدة !


وقد علم صاحب المعمل بما حصل مع المصوّر ، بعد مواجهته غضباً مضاعفاً من الجيران المستائين على هجوم الوحش على جارهم ، وتهديدهم بإيصال الأمر لإدارة العاصمة .. لهذا إضّطر لإغلاق معمله نهائيّاً .. وفتحه لاحقاً في صحراءٍ بعيدة عن المدن السكانيّة..

***


ومضت شهور لم تحدث مشكلة بالمعمل.. الى ان تجمّع الدخان كوحشٍ عملاق ، أضعاف الوحش السابق ! مُتصاعداً باتجاه السماء ، ليتحوّل لغيمةٍ سوداء توجّهت مباشرةً فوق العاصمة ..وهي تُنذر بمقتل الآلاف ، دون معرفة أحد بالسرّ المرعب الذي يُخفيه صاحب المعمل المشبوه ! 


الأربعاء، 28 فبراير 2024

الرموز المجهولة

كتابة : امل شانوحة 

التحدّث اثناء النوم


اثناء عمل جاك على حاسوب الشركة التي يعمل فيها ، غفى من شدة تعبه 

وعندما استيقظ بعد قليل ، أخبره زميله الذي يعمل معه بذات الغرفة:

- انت تتكلّم اثناء نومك !

جاك بدهشة : أحقاً ! وماذا قلت ؟

- حروف وأرقام عشوائيّة ، مع علامات الترقيم ! هل تهلوّس بشيءٍ معيّن ؟!

ولم يتحدثا اكثر عن الموضوع ، بعد أن طلبهما المدير لإجتماعٍ عاجل

***


بعد عودة جاك الى منزله ، تساءل إن كان من عادته التحدّث اثناء نومه ؟! 

وفي الليل ، أدار التسجيل بجواله الذي وضعه بجانب سريره ..


وعلى مدى ثلاثة ليالي متتالية ، تكلّم بنومه بذات العبارة ! والأغرب عند تدوينه للجملة الغير مفهومة ، وجد تكراره لذات الأحرف والأرقام بنفس الترتيب ، مما اثار انتباهه !

***


بعد اسبوع ، في العمل .. سمع زميليّه يتحدّثان عن الكلمة السرّية الخاصة بإيميل الوظيفة ، والتي ايضاً تضمّنت أحرفاً وارقاماً وعلامات ترقيم !


فتساءل في نفسه : ((أمعقول ما اردّده في نومي هو رقمٌ سرّي لإحدى صفحات تواصلي الإجتماعي التي نسيتها ، لكن عقلي الباطني مازال يذكرها ؟!))

***


وفور عودته الى المنزل .. بدأ بفتح كل صفحاته على الإنترنت التي عادةً لا يغيّر فيها سوى رقمها السرّي .. لينصدم بأن الجملة الغامضة : هي رقمٌ سرّي لإيميل لا يذكر تسجيله من قبل !


وعندما فتحه ، وجد ثلاث ملفات .. الملف الأول : فيه صور 13 فتاة جميلة ! وفي الملف الثاني : ذات الفتيات وهن مُعذّبات ! .. وفي الملف الأخير : صور جثثهنّ المشوّهة ..وكاد الحاسوب يسقط من يده من هول الصدمة !

جاك بفزع : كيف املك صور تعذيبهنّ ، وصور جثثهنّ ؟! مالذي يحدث ؟!


ولاحظ وجود اسفل صور الجثث تاريخٌ معيّن ، يبدو يوم وفاتهنّ : أقدمهن قبل 10 سنوات ، وأحدثهنّ منذ سنةٍ فقط ! .. بينما وجد ثلاثة صور فقط ، مذكوراً فيها اسم القتيلة .. بينما البقيّة مجهولات الهويّة! 


لينتفض جسمه بعد رؤيته للفتاة صاحبة أقدم تاريخ بينهنّ : وهي صديقته بالجامعة التي اختفت قبل حفلة التخرّج ، ومازال مصيرها مجهولاً للوقت الحاليّ !  


وعندما ركّز على تاريخ وفاتها ، تذكّر أمراً اربكه لسنوات .. فقبل يومين من حفلة التخرّج ، سأل زميله بالغرفة : عن يوم الأحد الذي لا يذكره ؟ فهو نام مساء السبت ، واستيقظ الإثنين صباحاً .. لكن زميله أمضى يوم العطلة في منزل اهله ، لهذا لم يعلم عن ماذا يتكلّم! 


ولاحظ جاك ان الأحد الذي مُسح من ذاكرته ، هو نفسه المذكور تحت صورة جثة صديقته .. فهل قتلها بعد رفضها مواعدته بعد حفلة التخرّج ؟! وكيف لا يذكر ذلك؟! 


كما لاحظ امراً آخر مُربكاً : فبقيّة النساء المقتولات ، يشبهنّ صديقته لحدٍ كبير ! فهل قتلهنّ ، لأنهنّ ذكرنه بصديقته التي كسرت قلبه ؟! 

^^^


ولشدّة ارتباكه من الإيميل الإجراميّ ، وضع كاميرا امام الباب الخارجيّ لمنزله ..


ولم يحصل شيء خلال اسبوعين .. وكاد ينسى الموضوع برمّته ، الى ان شاهد نفسه بالكاميرا : وهو يلبس معطفه ويخرج من منزله آخر الليل ، اثناء عاصفةٍ رعديّة .. وهي ليست من عادته الخروج بعد الساعة ١٢ مساءً ، خصوصاً تحت المطر ! فهل يمشي كما يتكلّم اثناء نومه ؟! وهل ارتكب تلك الجرائم بعقلٍ غير واعي ؟ 

^^^ 


الأمر جعله يشعر بتوترٍ دائم ، أثّر سلباً على مستوى عمله.. مما اضّطره لأخذ موعدٍ مع طبيبٍ نفسيّ عجوز ، مشهور ببراعته .. والذي أخضعه للتنويم المغناطيسي ، بعد إطلاعه على فيديو خروجه المسائيّ الذي لا يذكره .. مُخفياً موضوع الجثث (خاصة بعد بحثه عن إسميّ الصبيّتين بالإنترنت ، ومعرفة اختفائهما بذات تاريخ وفاتهما المذكور اسفل صورهما ، مما يؤكّد تورطه بمقتل جميع النساء اللآتي يملك صورهنّ)

 

ليتفاجأ جاك بعد استيقاظه من التنويم ، بنظرات الإرتباك على وجه الطبيب العجوز الذي لامه على وحشيّته ، بعد وصف جاك اثناء تنويمه جميع وسائل تعذيبه للفتيات اللآتي ذنبهنّ الوحيد ، هو شبههنّ بصديقته التي رفضت حبه !

ليس هذا فحسب ، بل اعترف ايضاً بجريمته الأولى بعمر المراهقة : بعد إطفائه شعلة المدفأة ، ليموت والده من رائحة الغاز ! 


جاك بصدمة : انا لا افهم شيئاً مما قلته ؟!

الطبيب : انت لا تمشي اثناء نومك ، بل لديك انفصام شخصيّة تكوّنت بسبب قسوة والدك طوال طفولتك .. وببلوغك سن ١٥ إستغلّيت نومه في غرفة المكتب ، لتقتله إختناقاً بالغاز بعد ظهور شخصيتك الثانية الإجراميّة التي خمدت لسنوات ، قبل ظهورها من جديد بعد إهانة حبيبتك : بأنك لست من مستواها لتصاحبها ! لهذا قتلتها بعد الإعتداء عليها.. اما شبيهاتها ، فاكتفيت بتعذيبهنّ حتى الموت ! كما ذكرت اثناء تنويمك : بأن جميع ضحاياك (النساء) دفنتهنّ بحديقة منزلك الخلفيّة .. لهذا انا مضّطر لإبلاغ الشرطة ، فأهالي المفقودات مازالوا يبحثون عن بناتهنّ حتى اليوم !

***


في منتصف الليل ، عاد جاك الى منزله مرهقاً .. وجلس متهالكاً امام حاسوبه الذي أوصله بجواله ، لإضافة شيء جديد الى ملف الإيميل الغامض : وهي صورة رأس الطبيب العجوز المقطوع ، قبل دفنه مع بقيّة الضحايا في حديقة منزله.. 


وعاد للنوم وكأن شيئاً لم يكن ، بعد سيطرة شخصيّته الإجرامية على شخصيّته الإنسانيّة التي اختفت هذه المرة للأبد !


المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...